بقلم : نبيل بوعتل
الكاتب الجهوي لنقابة السجون بجهة مكناس
إن التطورات التي شهدها المغرب من تنزيل للدستور الجديد، و إرساء قواعد الحكامة الجيدة، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في ظل التوجيهات الملكية السامية الصريحة بخصوص وضع السجون والسجناء انعكس على التوجه العام فلم تعد المؤسسات السجنية مقتصرة فقط على الجانب الردعي العقابي في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، بل أصبحت ترتكز على البعد الاجتماعي والإصلاحي والتأهيلي وفق مشروع تصالحي بين السجين والمجتمع غايته إعادة الإدماج من خلال تبني مقاربات وآليات تهدف أساسا إلى الاهتمام بالوضعية المادية لإيواء المعتقلين وتحسين ظروف إقامتهم والعناية بتغذيتهم ونظافتهم وتطوير برامج التكوين والتعليم وفق الشروط الأساسية المنصوص عليها في المواثيق والمعاهدات الدولية.
ولعل أهم الآليات التي تعتزم المندوبية العامة تعميمها في مطلع هذه السنة على سجون المملكة والتي يتم وصفها بالآلية الأنجع في تعزيز الدور الإصلاحي والتربوي للمؤسسات السجنية هي التصنيف بمفهومه الجديد “المقتبس طبعا من التجربة الامريكية” والذي يرمي إلى تصنيف السجناء حسب ثلاث مجموعات : صنف (أ) بنظام حراسة عالي، صنف (ب) بنظام حراسة متوسط و صنف (ج) بنظام حراسة خفيف، مع الأخذ بعين الاعتبار الفصل بين المعتقلين (احتياطي، مدان، مكره لأسباب مدنية) وتوزيع المعتقلين إلى فئات داخل كل صنف (المسنون، الجنايات، الجنح، المرضى، المتمدرسون..) وهو ما سيجعل السجون المغربية تعيش أوضاعا خاصة إضافة إلى المشاكل التي تتخبط فيها وتطوقها من كل جانب وتحد من فعالية وظيفتها الإصلاحية، مما يجعلنا نتساءل : ألم يكن الأجدر التعجيل بحل الإشكاليات القائمة عوض تبني سياسة التصنيف الجديد ؟؟ الشيء الذي يعكس الفرق بين التنظير داخل المكاتب المكيفة وبين الواقع الصعب بالمؤسسات.
ومما لا شك فيه أن إنجاح تنزيل هذا التصنيف رهين بمدى توفر عدة عوامل تشكل في جوهرها الأساس في كل إصلاح منشود وهي:
– الموارد البشرية
– البنية التحتية
– المعدات اللوجستيكية .
فمن البديهي أن القيام بعمليتي التصنيف وإعادة التصنيف وفق السيناريو الأمريكي والإخراج المغربي يستلزم بذل جهود جبارة وعددا كبيرا من الموظفين للقيام بكل المهام المطلوبة في الآجال المبرمجة وهو ما يستحيل توفيره في ظل النقص الذي يعرفه العنصر البشري بالمؤسسات التي بالكاد تحقق التوازن والكفاف لضمان سير مختلف المرافق.
واستنادا على التصريحات الرسمية التي تشير إلى أن نسبة التأطير هي موظف لكل 11 سجين ونظرا لاضطلاع عدد مهم من الموظفين بالمهام الإدارية واستفادة البعض الآخر من الرخص الإدارية والمرضية مما يجعل الموظف المغربي يتحمل أربعة أضعاف ما يتحمله نظراؤه عبر العالم حيث نسبة التأطير المعمول بها موظف لكل 3 سجناء، وهو أمر يحتم الاشتغال لساعات أكثر وأن يكون الموظف ملما بما يمكنه التمييز بين المعتقلين و تصنيفهم، وقواعد الضبط القضائي وحقوق وواجبات السجناء، وأن يكون أيضا ملما بالتنشيط الثقافي والتربوي والرياضي وأن يهتم بالعناية الروحية والفكرية، وأن يكون متشبعا بحقوق الإنسان وفي الآن ذاته مساعدا صحيا واجتماعيا، وأن يكون أجره الشهري حوالي 4000 درهم ويعمل في ظروف صعبة.
وفيما يتعلق بتنزيل التصنيف على أرض الواقع فهو أمر شبه مستحيل ويحتاج إلى عصا سحرية لتحقيقه بعيدا عن سياسة “قضي باللي كاين، والعام زين” نظرا لعدة أسباب أهمها :
* ضعف البنية التحية المتجسد في عدد المؤسسات السجنية الذي أصبح غير كاف، وطبيعة بناياتها التي لا تساعد على تطبيق مختلف البرامج المسطرة وستكون أكبر حائل أمام تطبيق التصنيف.
* الطاقة الاستيعابية للمؤسسات مقارنة مع عدد السجناء حيث تعاني أغلب السجون من الاكتظاظ الذي يصل إلى 300% في بعض الأحيان وما يصاحبه من آثار جانبية ومشاكل نفسية وصحية وأخلاقية وتقليص فرص التعليم والتكوين.
* قلة المعدات والتجهيزات اللوجستيكة المتاحة أو المتوفرة مقارنة مع ما يحتاجه تنزيل مثل هذا الإجراء.
رغم كل ما قيل، فالمشاكل المتعلقة بالموارد البشرية والبنية التحتية والمعدات اللوجستيكية لا تمثل في مجموعها إلا عناوين بارزة لإشكالات أخرى لا تقل قوة وتأثيرا في الفضاء السجني المغربي الذي سيجتمع فيه إن شاء الله ما تفرق في غيره (التجربة البلجيكية في مجال التكوين المهني والرعاية اللاحقة، التجربة الأمريكية في التصنيف، المناهج الفرنسية في التدريس) الشيء الذي يجعلنا نتساءل إلى متى سنظل نستعير تجارب الآخرين ؟؟ حتى ولو أن هذه التجارب أثبتت نجاحها ؟؟ و إلى متى ستظل كفاءاتنا الوطنية مهمشة رغم ما راكمته من خبرة وتجربة في الميدان، أم أن “مغني الحي لا يطرب“.
المصدر:
http://sncid.com/portail/index.php/opin/ecrivainsopinions/514-nabil5.html