ضحايا 16 ماي المجهولون


ضحايا 16 ماي كثر ومتعددون بعضهم يعرفه الشعب المغربي والبعض الآخر جهدت الكثير من وسائل الإعلام والهيئات السياسية والحقوقية في تصويره على هيئة سفاح أثيم ، وحيث أن الصنف الأول معروف فنقتصر في الحديث عنه على القول أن كل قطرة نزفت من دمه قد نزفت من قلوب المغاربة جميعا ، فدم المسلم وعرضه وماله حرام وأما الصنف الثاني فمجهول عند عامة الناس مع أنهم جميعا عانوا من النزيف الأخلاقي والقيمي والحقوقي الذي أحدثته 16 ماي في حياتهم ، وليس من قبيل المبالغة أن نقول أن تلك الأحداث قد شكلت منعطفا حاسما في تاريخ المغرب وأنه كان لها ما بعدها .

لهؤلاء الضحايا المجهولين سنخصص بعض الأسطر مع أنها لا تفي بالغرض، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله وقد تحاشى الكل الحديث عن هؤلاء الضحايا. فالواجب أن ينبري من بينهم من يعيد لهم بعض الاعتبار عل ذلك يثير الهمم الراقدة فيتصدى من عاصر تلك الأحداث الأليمة للحديث عن أهوالها والتأريخ لتفاصيلها
هؤلاء الضحايا المجهولون أيضا ينقسمون إلى صنفين ضحايا مباشرون وآخرون غير مباشرين ، وأما المباشرون فأولئك الذين طالتهم الاعتقالات الجائرة وأخذوا دون جريرة اقترفتها أيديهم ، فهل يعقل أن عشرة آلاف متابع على خلفية أحداث 16 ماي قد تواطؤوا جميعا على تنفيذ تلك الهجمات ؟؟؟

فأحداث مدريد و لندن و11 من سبتمبر نفسها ثبت أن عدد مدبريها لا يتجاوز عدد أصابع اليد فلماذا يكون المغرب استثناء ؟

وحين نؤكد أن هؤلاء ضحايا فإننا نقول ذلك عن بينة ولو شئنا استقصاء الهفوات التي شابت متابعتهم لسودنا المجلدات الضخمة ولكنا نقتصر على بعض الوقائع للتدليل على صحة دعوانا . فهل سمع الناس في كل بلاد العالم عن قضية سرقة واعتداء توبع فيها رجل قابع في السجن وأدين بموجب ذلك بخمسة عشر عاما رغم أن الواقعة حدثت وهو لم يغادر زنزانته بعد ؟

أقول نعم ، حدث هذا لسلفي ، لأنه ينتمي لتيار شاءت أهواؤهم أن يوجهوا حرابهم لنحره . هل سمعتم عن محاولة اغتيال وزير دفاع أمريكي تم التخطيط لها باستخدام الحجارة ؟
أقول نعم ما تزال محاضر سلفيين مدانين بعشرين عاما شاهدة على أن أجهزتنا الأمنية قامت بتفكيك خلايا إرهابية حاولت وضع الحجارة في الطريق الذي يمر منه كولن باول لقلب سيارته وقتله بعد ذلك .
هل سمعتم عن استنطاق يسأل فيه المتهم عن رجل وافته المنية في القرن الثامن الهجري؟
أقول لقد حدث هذا في دهاليز المقرات الأمنية المغربية وسئل الإخوة عن نوع العلاقة التي تربطهم بشيخ الإسلام ابن تيمية .

هل سمعتم عن متهم يحاكم في نفس القضية مرتين ؟

ذاك هو الشيخ الميلودي رحمه الله فقد أدين بسنة وحيث أن ذلك لو يشف غل صدور خصومه فقد تلقفوه عندما أنهى مدة محكوميته وأعادوا محاكمته و أودعوه زنزانته من جديد بعدما أدانوه بثلاثين عاما . إن هذا غيظ من فيض فكل معتقل سلفي اليوم يحمل قصة مشابهة سواء أولئك الذين ما زالوا قابعين في السجون أو أولئك الذين غادروها بعد قضاء محكوميتهم .

عشر سنوات مضت على محنة 16 ماي وما انمحت آثار الظلم الذي صبه الظلمة على المستضعفين صبا ، وقد استعرضنا بعض أنواع الظلم التي حاقت بإخواننا وهي لعمري لا تشكل غير شق يسير هين وحلقة ضيقة في سلسلة التنكيل بالسلفيين ، إذ تعرض عدد من إخواننا للاغتيال دون أن يهش لهم أحد أو ينش ، ولكم يعز علينا أن نرى أولئك الأبرياء لا يبكيهم باك …

نعم شهداء الرأي والعقيدة لا بواكي لهم ، فقط لأنهم ينتسبون لهذا التيار، لقد مضت عقود على اغتيال بعض رموز اليسار ومنهم من تلطخت أياديه بدماء المقاومين الشرفاء ومع ذلك فأسماؤهم ملء السمع والبصر وأما شهداؤنا فلهم الله . لقد اختطف الشيخ الدكتور بوالنيت من بيته وتعرض للتعذيب بطريقة وحشية إلى أن فاضت روحه وألقي به في الخلاء وبعد عقد من ذلك الحدث الأليم خرج المجلس الوطني لحقوق الإنسان بتصريح باهت يتعهد فيه بالتحقيق في حادث اغتياله ذرا للرماد في العيون فما تزال نتائج التحقيق طي الكتمان بعد عام من فتحه ، وتوفي عبد الحق بنتاصر في مخافر الشرطة القضائية وما تزال أسباب وفاته مجهولة وفي السجون فاضت أرواح الكثير من الشهداء في ظل صمت مطبق وتكتم غير مبرر عن أسباب وفاتهم ولم تكلف الحكومة السابقة أو الحالية نفسها عناء التحقيق في ملابسات وفاة أي من هؤلاء : خالد بوكري ، يونس العينوس ،الميلودي ، الشيخ الأمين أقلعي ، بنميلود ، بنجلالي …وغيرهم . انضموا إلى قوافل الشهداء بلا نياشين ولا تصفيقات ولا عبارات رنانة .
وما أبلغ الصورة الشعرية التي ساقها حافظ إبراهيم في قصيدة له حين لام أستاذه شوقي على لزوم الصمت في ثورة عرابي يوم قال
يقولون أن الشوق نار ولظى فما بال نار شوقي اليوم باردة
وكذلك كانت نار الإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان والسياسيين باردة حين كان الموت ولازال يتخطف أصحابنا وإخواننا فلم يحركوا ساكنا ، ولسنا بمعرض لوم أحد فقدر الممانعين للمشروع الصهيوأمريكي ، المدافعين عن هوية أمتهم أن يدفعوا ثمن ممانعتهم باهظا وهؤلاء دفعوه بنفس رضية لأنهم استغنوا بمعية الخالق عن سائر الخلائق ، دفعوه حبا وكرامة لينيروا طريق إخوانهم المغاربة ممن أسدلت بينهم وبين التدبير الذي يدبر لهم بالليل والنهار سجائف سوداء وأما الضحايا غير المباشرين لهذه الأحداث فهم عامة الناس كل أصابه من رذاذها نصيب فقد تأذت أسر المعتقلين أيما أذى فترملت نساء وأزواجهن على قيد الحياة وذاق أطفال اليتم وآبائهم يدبون على وجه الأرض وثكلت أمهات أبناء لم تفارق أرواحهم أجسادهم ولا تسل عن معاناة هؤلاء كلما حل عيد أو جد جديد و أحبتهم يتجرعون ذل الأسر ولو اقتصر الأذى على كل هؤلاء لهانت ولكنه امتد إلى رواد دور القرآن الذين أقفلت مجالس تلاوة كتاب الله في وجوههم و إلى الدعاة الصادقين فحيل بينهم وبين المنابر وإلى الجمعيات الخيرية التي لا تبغي من عملها غير وجه الله فوضعت بينها وبين الخير الأسلاك الشائكة فليست تصيبه إلا بعد جهد ومشقة ونزيف وامتد فضلا عن هؤلاء وأولئك إلى رجال الإعلام فعمدوا إلى أنفاسهم يحصونها وسلطوا على رقاب المخلصين منهم سيف قانون مكافحة الإرهاب الذي لا يرحم وما الإرهاب في عرفهم غير الممانعة ومقاومة الاستبداد والتسلط وتقلصت مساحة حرية الرأي فما عادت تسع غير رأي واحد وتصور واحد والويل بعد ذلك لمن رفع عقيرته فصرخ مناديا بحقه في إبداء رأيه فيما يقع في هذه البلاد دون تحفظ أو محاباة فأمام ناظريه سهم ضخم يشير إلى نهاية واحدة هي نهاية كل شريف ، السجن وما أدراك ما السجن في المغرب انتهاك للأعراض وقلع للأظافر وتقييد بالأصفاد وتجويع وترويع وإهدار للكرامة ثم امتد الأذى وأصاب المدافعين عن حقوق الإنسان فبعضهم تحول لأخصائي تجميل هدفه وغايته تبرير السلوك العدواني للجلادين والبعض الآخر أجبر على رفع يده عن ملف المظلومين من معتقلي الرأي والعقيدة فمن كانت جريمته الإرهاب لا يحق لأحد الدفاع عنه ومنذ متى كان حق المرء في المحاكمة العادلة حقا مشروطا ؟ اللهم إن كان الأمر يتعلق بأوضاع مغرب ما بعد 16 ماي فالضرورة الأمنية حينها تستبيح كل محظور وحق لنا تأسيسا على ما تقدم أن نقول أن المغرب قد عاد إلى ما قبل زمن الجمر والرصاص وأن الطوق الأمني صار أكثر إحكاما حول رقبة المغاربة بسبب حينا وبدون سبب أحيانا .
ثم امتد الأذى فشمل بيوت المغاربة أجمعين حين أعلنت القنوات العمومية الحرب على قيم المغاربة دفعا للتطرف- زعمت – وكنا من قبل قد عهدنا في آبائنا وأجدادنا عفة وحياء يأبيان على الواحد منهم أن يشار إلى نسائه بالبنان ويظل صامتا ، فآلت أمورنا إلى رؤية الفتى يخاصر الفتاة ويلامسها على مرأى من العالم أجمع والعائلة تدعوا لها بالنصر والتمكين وتشجع الأقارب على التصويت على قلة حيائها عساها تفوز بلقب أو جائزة وما دروا أنها لا تمر إلى تلك الجائزة قبل أن يدنس عرضها ولو نظرنا بعين الإنصاف لوجد كل مغربي نفسه في أحد هذه الأصناف فكل المغاربة ضحايا 16 ماي على الحقيقة ولكنهم من زمرة الضحايا المجهولين .

بقلم أبو أيمن محمد بنحمو
10-02-2014

شارك هاذا المقال !

لا توجد تعليقات

أضف تعليق