تشعر الناطقة باسم أهالي السجناء السلفيين في موريتانيا، مريم بنت السبتي، بالقلق الشديد من استمرار السلطات الموريتانية في التصعيد بحق شقيقها المعتقل “دحود” ورفاقه الممنوعين من التسجيل لدى وكالة الوثائق المؤمنة، ما حرم أطفالهم وعائلاتهم من الحصول على الوثائق الثبوتية اللازمة لمعاملاتهم الحياتية واليومية، الأمر الذي خلق مأساة إنسانية للأبناء والعائلات تضاف إلى معاناة ذويهم المتفاقمة بسبب معاملاتهم المتردية كما تقول السبتي.
ويبلغ عدد المعتقلين السلفيين في موريتانيا، 23 سجينا يعدون الجزء الأكبر من نزلاء السجن المركزي في العاصمة الموريتانية والذي تبلغ طاقته الاستيعابية 100 سجين، حسب مصدر في إدارة السجون، وهو ما يطابق إحصاء قام به الناشط الحقوقي محمد ولد الديه، والذي لفت إلى أن عدد السجناء السلفيين في موريتانيا كان يقترب من الخمسين، لكن انتهاء محكومية عدد منهم، وإطلاق سراح عدد آخر بعد حوار أطلقته الحكومة معهم ساهم في تقليص العدد.
التمييز بين السجناء
يؤكد أهالي السجناء السلفيين في موريتانيا أن قرار حرمان السجناء من الحصول على أوراق مدنية يعاني منه السجناء السلفيون فقط، إذ لم يعمم على كل نزلاء السجن المركزي، فقد سمحت السلطات لبقية نزلائه بالحصول على أوراق مدنية، ما يخول لأبنائهم حق الحصول عليها، وفقا لما وثقه الناشط الشبابي محمد فال ولد سيد أحمد، والذي عمل على ملف السجناء السلفيين، قائلا لـ”العربي الجديد”:”السجناء السلفيون يواجهون العديد من حالات التمييز التي تتمثل في تشديد إجراءات الحراسة داخل السجن على بعضهم، بينما يخفف على الآخرين، كما يتم تقليص وقت الزيارة ولقاء الأهالي، بالإضافة إلى التمييز الصارخ في حقهم بحرمانهم من الحصول على أوراق مدنية، هم وأبناؤهم على حد سواء”.
ويتفق الناشط الحقوقي أحمد ولد سيد أحمد البكاي مع ولد سيد أحمد، غير أنه يضيف إلى معاناة السجناء السلفيين مسألة حرمان أبنائهم من التعليم لعدم حصولهم على أوراق مدنية، وكذلك حرمانهم من العلاج في حال أصيبوا بأمراض تحتاج إلى علاجهم خارج البلد، إذ لا يمكنهم ولا يمكن لعائلاتهم السفر، بسبب الأوراق المدنية وجوازات السفر، الأمر الذي فاقم معاناة أبناء السجناء الذين أصيبوا بأمراض تحتاج للعلاج في دول قريبة من موريتانيا كالسنغال، وتونس، والمغرب، ممن حرموا من العلاج بسبب اعتقال ذويهم. ومن بين هؤلاء محمد، نجل أحد السجناء السلفيين (رفض ذكر اسمه بالكامل)، يقول محمد لـ”العربي الجديد”: “المآسي التي يتعرض لها أبناء السجناء السلفيين تبدأ بالمنع من مواصلة الدراسة، والحرمان من الخدمات الصحية، نواجه عقابا جماعيا على أعمال تصفها الحكومة بالإرهابية اقترفها الآباء، والأبناء الصغار منها براء”.
تشديد بعد هروب سجين سلفي
عقب هروب السجين السلفي المحكوم عليه بالإعدام السالك ولد الشيخ من السجن المركزي في نواكشوط، قلصت إدارة السجن وقت الزيارات وشددت في تعاملاتها مع المعتقلين، كما تشكو زوجة أحدهم (طلبت عدم الكشف عن اسمهما).
تقول زوجة السجين السلفي “زوجي يعاني داخل السجن، وأبنائي يعانون خارجه من عدم الحصول على أوراق مدنية، السلطات تماطل وتعيق حصولهم على أوراق مدنية، وهو ما يشكل خطرا على مستقبل الأبناء التعليمي والصحي”.
وطالبت زوجة السجين من السلطات الموريتانية، الإسراع في تسجيل السجناء السلفيين على لوائح الإحصاء لدى الوكالة الوطنية للوثائق المؤمنة، من أجل ضمان حصول الأطفال على حقوقهم المدنية التي تكفل لهم حق التعليم والعلاج متى وأين شاؤوا.
يصف الناشط الحقوقي محمد ولد الدي أزمة الأوراق الثبوتية التي يواجهها أبناء السجناء السلفيين، بـ”حالة التعسف” من الدولة دون وجه حق. ويعتبر ولد الدي أن مجموعة الــ 14 سجينا التي تواجه أحكام الإعدام تعد عائلاتها أكثر المتضررين من قرار منع الحصول على الأوراق الثبوتية.
استنكار حقوقي
بحسب رئيس المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان عبد الله ولد بيان، فإن “حرمان السجناء السلفيين وغيرهم من الإحصاء والحصول على وثائق مدنية، يعد انتهاكا صارخا لحقوق هؤلاء المعتقلين، ومخالفة صريحة للقوانين الموريتانية والدولية” على حد تعبيره.
وقال ولد بيان في حديث خاص لـ”العربي الجديد” إن حرمان العائلات من الأوراق الثبوتية يعد عقابا جماعيا، إذ يمنع الأبناء من الحصول على حقوقهم التي يكفلها لهم الدستور. وأضاف ولد بيان “الأهم من ذلك أنه يُعرض حياتهم للخطر، حيث لا يستطيع هؤلاء الأطفال السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، عند الحاجة، في ظل ضعف الخدمات الصحية داخل البلاد”. وطالب رئيس المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان من السلطات، الإسراع في تسجيل جميع السجناء لدى وكالة الوثائق المؤمنة، وتوفير الظروف الأمنية اللوجستية التي تمكنهم من ذلك.
تجاوز في حق أطفال أبرياء
يؤكد الصحافي المتابع لأوضاع السجناء السلفيين في موريتانيا أبو بكر ولد أحمدو الإمام أن قرار منع السجناء السلفيين من الإحصاء والذي باتت تشكو منه أسر السجناء السلفيين، يشكل رسالة بالغة السلبية من الحكومة الموريتانية إلى أطفال لم يرتكبوا جرما في حق أي أحد، ويستحقون بموجب القانون الموريتاني كغيرهم من المواطنين أن يحصلوا على أوراقهم الثبوتية.
وقال ولد أحمدو الإمام في تصريح خاص لـ”العربي الجديد”، إن الأوراق الثبوتية أصبحت شرطا لا بد منه لمتابعة الدراسة في مؤسسات التعليم العمومي، والخصوصي على حد سواء، في موريتانيا، وبالتالي فإن منع الحصول عليها سيؤثر على المستقبل الدراسي والوظيفي لهؤلاء الأطفال.
واعتبر ولد أحمدو الإمام أن هذه الرسالة السلبية إن استمرت، ستنتج ردة فعل سيئة من هؤلاء الأطفال وقد تدفعهم إلى أن يكونوا في عداء مع الدولة التي بادرتهم بالعداء، في الوقت الذي كانت المسؤولية تقتضي منها أن يحظوا بعناية كبيرة.
ويؤيده المتابع لشؤون الجماعات الإسلامية محمد حسن ولد أمحمد، والذي قال إن قرار السلطات الموريتانية بمنع السجناء وأبنائهم من الحصول على أوراق مدنية، من شأنه أن يدفع الأبناء في المستقبل إلى الانحراف والسير على خطى الآباء لشعورهم بالظلم.
وأضاف ولد أمحمد لـ”العربي الجديد”، أن منع الجهات الرسمية للسجناء وأبنائهم من الحصول على أوراق ثبوتية ليس له أي مبرر على الإطلاق، ويخل بمسؤولية الدولة تجاه المواطنين، فضلا عن أنه سيكون سببا في دفع هؤلاء لعدم الانتماء إلى الدولة، ويرمي بهم في أحضان من يشعرهم بالانتماء ويجعلهم يتشبثون بالفكر الذي عوقبوا من أجل حمل أوليائهم له. وخلص لد أمحمد إلى القول “إن التمييز الذي يطاول انتماء المواطنين إلى بلدهم يعد أخطر أنواع التمييز، لأنه يمس الإنسان في هويته وانتمائه، وعلى الدولة التدخل وحماية هؤلاء الأطفال من المستقبل المظلم”.
المصدر: https://goo.gl/Ocs8sX