بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين
وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وبعد
حفزت الاعتقالات الأخيرة التي طالت البنات القاصرات العشرة ( أو ما بات يعرف بقضية القاصرات الداعشيات ) الرأي العام لطرح العديد من التساؤلات البريئة و الوجيهة بسبب ظرفيتها الحساسة و غموضها الواضح و نوعيتها الإستثنائية كما أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتفاعل غير معهود مع ملف القاصرات تنديدا بالعملية و تشكيكا في نوايا القائمين عليها .
لقد إعتاد الرأي العام على سماع اعتقالات هنا وهناك في صفوف الشباب ( الملتزم المحسوب على التيار السلفي ) وأصبح ذلك جزءا من النقاشات التي يتداولها الناس في الشارع كما أضحى لديهم مناعة ذاتية تجاه هذه المواضيع المستهلكة بسبب ارتقاء الوعي الجمعي المواكب للحملة الدولية على ما يسمى بالإرهاب .
لكن الحملة الأخيرة التي تزامنت و الحملة الإنتخابية حملت في طياتها الكثير من الدلالات و فتحت الموضوع للكثير من القراءات الواعية بخطورة هكذا ملف ، فلأول مرة يعتقل بنات قاصرات بتهمة الانتماء لداعش و الاستعداد لارتكاب أعمال تخريبية ، هذه السابقة الخطيرة جاءت في سياق محموم سياسيا يشهد تقاطبا حادا بين حزبين سياسيين عرف أحدهما بتوجهاته الإسلامية ( حزب المصباح ) الذي ما فتئ خصومه السياسيون يتهمونه بالتطرف و الدعشنة و سوء التدبير و الآخر بتوجهاته الحداثية ( على حد تعبير امينه العام إلياس العماري ) ففي كل طلعة كان يخرج فيها هذا الأخير إلا وربط مفهوم الأسلمة بالتطرف والإرهاب محاولا جهده الضغط على الرأي العام باتجاه إلصاق التهمة بخصمه اللدود حزب المصباح لإقصائه من العملية السياسية و في محاولة كذلك لتدبير انقلاب ناعم على الحكومة ( الصورية ) في البلاد .
لقد اعتبر حزب الجرار على المستوى العام جزءا من أدوات التحكم في المسارات السياسية للمغرب و في غير ما مرة برز تواطؤ الداخلية ( محور التحكم ) معه كما دفعت الداخلية بشكل مباشر ( مسيرة البيضاء نموذجا ) و غير مباشر ( بالدعم اللوجستيكي و الإعلامي ) باتجاه إبرازه على الساحة كقوة سياسية ذات جذور شعبية و امتدادات جماهيرية ، هذا الدعم تطور ليقدم ورقة ضغط مباشر على أصحاب التوجهات الإسلامية فجاء اعتقال القاصرات في عز و ذروة الحملة الإنتخابية كقربان سياسي يذبح على نصب حزب الجرار ما اعتبر ذلك في الجهة المقابلة اختبارا حاسما و محكا يضع مبادئ الإسلاميين ( الديموقراطيين ) تحت الأضواء الكاشفة ليبرز مدى اضطراد العلاقة الجدلية بين المبدأ و المصلحة عندهم .
قد نقول أن حزب المصباح استطاع سياسيا أن يتجاوز الأزمة من خلال التجاهل كما هو معهود منه ( و لم يسجل ولو موقفا أخلاقيا مشرفا بخصوص الواقعة ) على الرغم من كل الصخب الذي أثارته ردود الأفعال حول ممتتبعي قضية اعتقال القاصرات ، بل شاهدنا ردود أفعال مضطربة و شطحات سياسية متناقضة تفتقر لحس المسؤولية صدرت عن بعض المنتسبين للدعوة السلفية و الذي عرفوا بدفاعهم عن الدين و العرض لعقود و السبب دائما الحسابات السياسية .
إن توظيف الفئوية في الصراع السياسي لضمان الولاءات و تطويع الكيانات السياسية و تدجين محاضن الاصلاح و التغيير مبدأ فرعوني قديم عرج عليه ربنا جل و علا في كتابه الحكيم عندما حكى عن فرعون فعله {{ إن فرعون علا في الارض و جعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم و يستحي نسائهم إنه كان من المفسدين }} القصص 4
و هو وسيلة خبيثة و ماكرة تجعل من الابرياء و قودا لمصالح المتحكمين العليا لتقدم كأكباش فداء كلما دعت الضرورة إلى اسخدامهم ولو تطلب الامر تجاوز القانون و القفز عليه وخرق كل المواثيق الدولية و المحلية التي تكفل الحرية والكرامة الإنسانية و الحق في الفكر والحياة .
لقد نجحت الداخلية في توظيف الموقف الدولي تجاه الإرهاب و إدارته داخليا بشكل جيد لتشكيل الخارطة السياسية ( لبلد اليد الطولى فيه للمخزن ) لدرجة التغول به على الكيانات السياسية الداعمة لمسيرة الاصلاح و الطامحة للتغيير فأوقعتها في فخ الدفاع عن مصالحها الحزبية الضيقة و الانجرار خلف المزايدات السياسية المستهلكة بعيدا كن كل المبادئ التي تغنت بها تلك الأحراب و الكيانات السياسية ففقتدت الى جانب ذلك البعد الأخلاقي و القيمي في مشروعها .
هذا سياسيا أما حقوقيا فقد غابت عن المشهد الجمعيات الحقوقية النسوية – التي يسوق أن لها قثلا فاعلا على المستوى المجتمعي- فلم نسمع لها ركزا ، لم تتفاعل و لم تتابع الموضوع لا تصريحا ولا تلميحا بل و كل الجمعيات التي تتبجح بالدفاع عن حقوق الإنسان كان موقفها سالبا سواء ذات المرجعية الإسلامية أو غيرها من التوجهات الأخرى التي لم نرى لها أثرا يذكر احتجاجا على اعتقال البنات القاصرات ، فهل نحن أمام مرحلة جديدة في الصراع مع الأسلمة ( بمعناها السليم ) تتسم بالحدية و التقاطب لدرجة تستدعي تحديد المواقع و الوقوف عندها بكل صرامة و جدية ، أم نحن تجاه مشاريع مفرغة من محتوياتها تسعى وراء المصلحة الشخصية والانتفاع و تتجاوز ذلك للتواطئ مع الأجهزة فتتحرك بمقتضى توجيهاتها تحت يافطة الحرب على الإرهاب خط أحمر .
إن كل المعطيات الواقعية التي تلوح في الأفق تشدد على ضرورة أن يبقى المجتمع الواعي ( خصوصا فئات الشباب منهم ) على مساس دائم بالقضايا المصيرية للأمة الإسلامية في صراعها الوجودي مع قوى الشر وذلك بردم الهوة المصطنعة بينه و بين هذه القضايا و اقتحامها بشكل مباشر و بإرادة قوية بعيدا عن المتاهات السياسية و المضايق الحزبية التي أبانت بشكل غير قابل للتشكيك أنها لم تعد قادرة على تصدرالميدان في مجال صراع الهويات .
كتبه :
عدنان دركول ناشط حقوقي
حرر في مدينة الفنيدق مساء الجمعة 12 محرم 1438
الموافق لـ 14 أكتوبر 2016