نظمت أكاديمية الرواد الإلكترونية مؤتمرها الإفتراضي الأول عبر برنامج Zoom بتاريخ 26-07-2020 تحت عنوان “استشراف أولويات العمل الإسلامي بعد أزمة كورونا” وقد شاركت اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين في شخص كل من المنسق العام للجنة و نائبه: الأخوين أسامة بوطاهر و رضوان العروسي الغريبي في ورشة أولويات العمل الحقوقي وهذا نص مشاركة اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين في هذه المحطة الحقوقية الدولية:
بسم الله الرحمن الرحيم
المعتقلون الإسلاميون بين مطرقة كورونا و سندان المندوبية العامة لإدارة السجون
إن للمرض في الإسلام فلسفة لا تجدها في غيره ، فالإسلام مشروع ومنهج منتظم ومتكامل، ما من شاردة إلا وبين فيها ، ومن ذلك انتشار الأوبئة وشيوعها بين الناس، ومن أهم الأسباب ما جاء على لسان خير من نطق الضاد : )لم تظهر الفاحشة في قوم قطّ حتّى يُعلنوا بها، إلّا فَشَا فيهم الطّاعون والأوجاع الّتي لم تكن مضت في أسلافهم الّذين مضوا(، وهذا نص صريح لا احتمال للتأويل فيه، ومع هذا رحمة النبي بأمته لا نظير لها، حتى مع تفشي الطاعون والأوجاع المستعصية، يوجه أمته لآليات وقائية تمنع انتشار المرض وتمنح فرصة مراجعة النفس والتوبة وإصلاح الحال وتدارك الأمر قبل فوات الأوان، حتى من لقي حتفه من المسلمين بهذه الأوبئة فقد وسمه النبي بوسام الشهادة.
فمن الآليات الوقائية من الأوبئة في الإسلام :الحجر الصحي: وهو نوعان: (أولا)الامتناع عن الفرار من وباء الطاعون : فقد ثبت عنه : أنه قال عن الطاعون «إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فلاَ تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ.» و(ثانيا)الامتناع عن الدخول على الغير في حال المرض: وقال : «لا يورد ممرض على مصح» وإن كان هذا في معرض الحديث عن الإبل، لكن تعتبر من القواعد الوقائية، فإن كان بين الناس مريض فلا يرد عليهم أي لا يختلط ولا يدخل عليهم ، بالإضافة إلى الطهارة و النظافة التي حث عليها ديننا في أكثر من موطن.
والمؤمن لا تمر عليه مثل هذه الأحداث دونما أن يضع نقطة يتوقف عندها ،يحاسب نفسه محاسبة الشريك فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، فما يسمى داء الكورونا لا يخلوا أن يكون آية من آيات الله التي يخوف بها عباده لعلهم يسارعون إلى التوبة والاستغفار والتراحم فيما بينهم «وَمَا نُرسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخوِيفًا»، فالنفس تأمر بالسوء وتنسي صاحبها في أن قوة ما لا يمكن الوقوف بطريقها، فتقزم نفسها إلى مرتبة العبودية الحقة، وليعلم الإنسان أن أمر الله إذا جاء فلا راد له إلا هو، فتظهر الخضوع لله فترجع إليه و تركن إليه، وتضع القطار على السكة المطلوبة ، ويستقر في العقول أنما الأمم إنما عذبت بذنوبها.
من هنا يتضح جليا أن في ديننا ما يغني وقائيا على مستوى تطويق مثل هذه الأوبئة، و ليس فيه ما يسمح تحت مسوغ الإجراءات الاستثنائية بمصادرة حقوق الإنسان كما هو الحال في واقع السجون المغربية التي كانت فيها حقوق السجناء عموما و المعتقلين الإسلاميين خصوصا نسيا منسيا في الظروف الاعتيادية في جميع السجون، فما هو الحال في الظروف الاستثنائية لمواجهة جائحة كورونا؟
إجراءات وتدابير المندوبية العامة لإدارة السجون فرضت قيودا أمنية محضة على الحقوق مُقلقة، والأكثر مدعاة للقلق والتوتر أن تسمع، وترى تأييدا شعبيا لهذه الممارسات التي تُقوض القانون، وتجد تصفيقا وتبريرا تحت ذريعة السلامة، وحماية الصحة العامة.
تمددت إجراءات الطوارئ و أعطيت صلاحيات استثنائية للمندوبية العامة على حساب القوانين المنظمة لإدارة السجون التي رميت وراء ظهورهم قبل الوباء مع اعتلاء محمد صالح التامك كرسي السجان الأول للمملكة، حيث يعيش الآلاف من السجناء في حالة عُزلة منذ أن قرعت جائحة كورونا أجراس الخطر، وأرعبت الناس.
و بهذا أضحت حقوق الإنسان في السجون المغربية تخضع لامتحان أصعب مما كانت عليه، وخسرت الكثير من قيمها في ظل أثار جائحة كورونا، والحكومة تضعف وتتراجع، والبرلمان يكاد يختفي دوره ويغيب على مستوى تدبير الأزمة.
السجون المغربية في صُلب الأزمة، وفي زمن الرخاء والاستقرار كانت حقوق الإنسان تئن من وجع الانتهاكات المُستمرة، وبالتأكيد فإن تدهور الأوضاع الحقوقية يتزايد الآن، والأعين مُغمضة عن تصرفات وممارسات تقع يوميا، لأنه لا صوت يعلو على صوت مواجهة فيروس كورونا.
لذا نرى في اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين أنه من المهم أن تصدر تقارير حقوقية توثق الانتهاكات التي ارتكبت خلال مواجهة جائحة كورونا خاصة في حق السجناء الذين يعتبرون الفئة الأكثر عرضة للخطر، نظرا لضعف الرعاية الصحية التي تحميهم من الفيروس، ولأن هؤلاء لا يجدون من يستمع لمعاناتهم المعيشية اليومية.
إن حالة الفوضى تعم قطاع السجون بخلاف الصورة الوردية التي تسوقها مندوبية العامة، وحقوق الإنسان في ذيل الأولويات بالقطاع، وخطاب الترويع من الجائحة يُخاطب عواطف الناس ومخاوفهم؛ فيسكتون عن ممارسات تمس حقوق الإنسان، ما كانوا ليصمتوا عنها.
و من هذا المنطلق كان لزاما علينا أن نكون في صلب المشهد الحقوقي بالمغرب و ذلك بإصدار التقارير تلوى الأخرى بخصوص ملف المعتقلين الإسلاميين بالسجون المغربية نلخصها على شكل نقط الآتية :
1- قضية المعتقلين الإسلاميين والظلم الذي تعرضوا له
2- الأوضاع المزرية التي يعيشونها داخل السجون المغربية بشكل عام .
3- تصور اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين لحل لملف المعتقلين الإسلاميين .
1 : قضية المعتقلين الإسلاميين :
بالنسبة لملف المعتقلين الإسلاميين بالمغرب فقد عمر لما يناهز العقدين، حيث بدأت الاعتقالات بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 عقب إعلان بوش الإبن حربه على ما يسمى بالإرهاب . و ارتفعت وتيرة الاعتقالات بشكل مسعور عقب أحداث 16 ماي 2003 التي لطالما تساءلنا عن المدبر الحقيقي و راءها و طالبنا بالكشف عن الغموض الذي يلفها، لكن دون أن نلقى أي جواب من الجهات المسؤولة، ونحن نعتقد أن وراء هذه الأحداث جهات استئصالية نافذة كانت تهدف إلى اجتثات الإسلاميين بكل أشكالهم وقد نال التيار الذي يطلقون عليه ” السلفي” حصة الأسد من هذه الحملة الاستئصالية .
والدليل أنه بعد أحداث 16 ماي 2003 تم :
– تمرير قانون الارهاب الذي اعترضت عليه جل الأحزاب و الجمعيات الحقوقية المغربية بما فيها حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة المغربية الحالية في وقت سابق .
– كما تم إغلاق جامع القرويين و مجموعة من دور تحفيظ و تعليم القرآن.
وغير ذلك من الإجراءات التعسفية التي ضيقت على الإسلاميين وكممت أفواهم تحت ضغط فزاعة ما يسمى بالإرهاب .
– كما تم شن حملة اعتقالات واسعة طالت آلاف الشباب في صفوف ما يطلق عليه ” بالسلفيين ” والتحقيق معهم و الزج بعدد كبير منهم بالسجون .
و في ظل هذه الأحداث رصدت اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين مجموعة من الخروقات والانتهاكات الحقوقية التي تعرض لها هؤلاء المعتقلين نجملها فيما يلي :
– الاعتقال كان خارج إطار القانون حيث تمت مداهمة البيوت ليلا و تفتيشها و قلبها رأسا على عقب مع مصادرة كل ما هو موجود في البيت سواء كان مبلغا ماليا ، أو حواسيب و هواتف بل حتى بعض المواد التجميلية الخاصة بتجارة بعض الشباب من زيوت و غيرها لحظة اعتقال المتهم، و كل هذا يتم دون الإدلاء بأي وثيقة تكشف عن هوية الذين يقومون بالاعتقال . و دون الإدلاء بأي تصريح بالاعتقال أو التفتيش أو المصادرة .
– اقتياد هؤلاء المحتجزين إلى مخافر و مراكز سرية مثل المعتقل السري بتمارة و استجوابهم دون وجود أي محامي .
– احتجاز هؤلاء المعتقلين في هذه الأماكن دون إشعار عائلاتهم بمكان تواجدهم أو أي خبر عنهم لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر .ومنهم من وصلت مدة احتجازه في هذه الأماكن السرية سنة مثل الشيخ نور الدين نفيعة المعروف بالشيخ أبي معاذ نور .
– انتزاع اعترافات يريدها المحققون من هؤلاء المحتجزين تحت الإكراه والتهديد والتعذيب والضغوط النفسية.
– تعريض هؤلاء المعتقلين للتعذيب الوحشي مثل : التعليق بطرق مؤلمة جدا مع جلدهم بالسوط .
– وضع أكياس بلاستيكية على رؤسهم وإغراقها في الماء .
– كيهم بأعقاب السجائر و صعقهم بالكهرباء .
– اغتصابهم بالقنينات و العصي .
وغير ذلك من أشكال التعذيب الوحشي التي تحدثوا عنها بأنفسهم في شكاياتهم و مراسلاتهم للجمعيات الحقوقية حيث أوضحوا بالتفاصيل ما تعرضوا له . و في النهاية تم إجبارهم على التوقيع على محاضر جاهزة و مطبوخة في الكواليس .
ليتم بعد ذلك نقلهم إلى الوكيل العام للملك ثم قاضي التحقيق ليقرر الزج بهم في السجون.
– تعريض هؤلاء المعتقلين لمحاكمات ماراطونية جائرة استندت في إطلاق أحكامها على محاضر موقعة تحت التعذيب والإكراه و التهديد . وقد عبر العديد من المحامين والحقوقيين عن موقفهم من هذه المحاكمات ووصفوها بأنها افتقرت لشروط العدالة .
– تم الحكم على هؤلاء المعتقلين بعشرات السنين لا زال بعضهم قابعا في السجن لحد الآن .
و ترتب عن كل هذا آثار كارثية سواء على المعتقل أو المحيطين به . حيث قتل بعض المعتقلين تحت التعذيب مثل الأستاذ محمد بونيت المراكشي و عبد الحق بنتاصرالمعروف ” بمول الصباط”.
– كما أصيب آباء و أمهات المعتقلين بانتكاسات صحية خطيرة سببها صدمة الأحكام القاسية والظالمة التي صدرت في حق أبنائهم التي أودت بحياة بعضهم . و أقعدت البعض الآخر و جعلته طريح الفراش .
– أيضا تسببت الاعتقالات و ما أعقبها من حملة إعلامية شعواء شيطنة المعتقلين وروجت على أنهم قتلة ومجرمون متوحشون، مما أثر سلبا على نفسية الأطفال و جعل بعضهم يدخلون في صراعات واشتباكات مع أطفال آخرين لأنهم شتموا أباءهم ووصفوهم بأنهم إرهابيين مما تسبب في الهدر المدرسي لهؤلاء البراعم الأبرياء .
وهناك الكثير الكثير من الظلم الذي لا يتسع له هذا التقرير ولكننا فقط أعطينا لمحة تعريفية بقضية المعتقلين الإسلاميين في المغرب وما تعرضوا له .
2 – الأوضاع السجنية التي يعيشها المعتقلون الإسلاميون بالسجون المغربية نجملها في النقاط التالية :
– سوء التغذية كما و نوعا رغم تعاقد المندوبية العامة لإدارة السجون مع إحدى الشركات الخاصة لتقدم الوجبات للمعتقلين . و مما زاد الطين بلة قيام المندوبية بمنع القفة التي تجلبها العائلة للسجين التي كانت تغطي الخصاص الغذائي الذي يعاني منه جميع السجناء بما فيهم المعتقلين الإسلاميين مما أدى إلى تجويع السجناء جميعا .
– تطبيق النموذج الأمريكي الذي يصنف السجناء إلى خطير جدا و خطير و أقل خطورة هذا النموذج الذي لا يتلاءم مطلقا مع طبيعة السجناء بالمغرب خاصة أن ملف المعتقلين الإسلاميين هو ملف سياسي بامتياز والتهم التي حوكم بها هؤلاء في مجملها ملفقة و مبالغ فيها بشكل كبير .
وقد تم التضييق على المعتقلين الإسلاميين بموجب هذا النموذج حيث تم تقليص مدة الفسحة إلى ساعة في اليوم، كما تم الحد من تواصل المعتقل مع عائلته حيث تم تقليص وقت الزيارة إلى 10 دقائق و الاتصال بعائلته لا يكون إلا مرة في الأسبوع و في ظل إجراءات كورونا الاحترازية المزعومة تم تقليص هذه المدد إلى أقل من ذلك بكثير مع منع الزيارة بشكل نهائي.
– مقابلة احتجاجات المعتقلين بالقمع والتخويف و الترحيل التعسفي حيث يتم إبعاد المحتجين إلى سجون بعيدة عن عائلاتهم بمئات الكيلومترات أو وضعهم في زنازن عقابية .
– الإهمال الطبي الذي لفظ بسببه العديد من المعتقلين أنفاسهم مثل : الشيخ الميلودي زكرياء ، والشيخ أمين أقلعي ، و أحمد بن ميلود ، و محمد بن الجيلالي و غيرهم.
و وسط كل هذه المآسي قاوم المعتقلون الإسلاميون الظلم بأشكال نضالية عديدة من إضرابات مفتوحة عن الطعام و غيرها وقد كان أبرزها الاعتصام المفتوح الذي خاضه المعتقلون في 2011 أسفر عن اتفاق 25 مارس 2011 تجدون تفاصيله في مستند مرفق للملف .
3 – تصور اللجنة المشتركة لحل ملف المعتقلين الإسلاميين :
تطمح اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين إلى حل منصف و عادل للمعتقلين الإسلاميين وكأرضية للانطلاق نقترح اتفاق 25 مارس 2011 الذي تم بين ممثلين عن الدولة و ممثلين عن المعتقلين الإسلاميين بشهادة حقوقيين من بينهم وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان الحالي بصفته الحقوقية آنذاك، و قد اعترفت الدولة بموجب هذا الاتفاق بمظلومية المعتقلين الإسلاميين ووعدت بإطلاق سراحهم على دفعات و في آجال معقولة و في انتظار ذلك يتم تمكين المعتقلين من حقوقهم السجنية في انتظار إطلاق سراحهم وذلك بتفعيل مسطرة العفو في حق من صدرت في حقه أحكام نهائية ، وإعادة البث في القضايا التي لا تزال بين يدي القضاء ولم تصدر فيها أحكام نهائية .
لكل ما تقدم تطالب اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين بإطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين على خلفية أحداث 16 ماي 2003، و كذا المعتقلين قبل تلك الأحداث بدون قيد أو شرط، و على رأسهم الشيوخ الكبار في السن و المرضى و كذا الانفتاح على ملفات جميع المعتقلين الإسلاميين بشتى أصنافهم لإيجاد حل منصف و ذلك في أفق الطي النهائي لهذا الملف الذي عمر لما يناهز العقدين، و يهدر فيه ريعان شباب ثلة من أبناء هذا الوطن الحبيب.
و الله من وراء القصد
وهو يهدي السبيل
المكتب التنفيذي
للجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين
5 ذو الحجة 1441 الموافق ل 26-07-2020