1-3المسلخة(ولاية الأمن بفاس):
توقفت بنا السيارة أمام بوابة مقر ولاية الأمن بفاس ،و قد كانت البناية تبدو في ذاك الوقت المتأخر من الليل مهجورة وخالية اللهم الا من بعد صرخات و تأوهات المعذبين التي كانت تنبعث بشكل عميق و خافت بين الحين و الآخر، و شرطي عجوز و سمين يقف كحارس للبوابة.
أخرجوني من السيارة و بكل برودة سلموني للحارس الذي كان يدرك مهمته بشكل جيد ، و انظروا اخوتي للمفارقة العجيبة (كم أنا خطير و ارهابي و هم يعتقلونني أمام أعين الناس و يسخرون من أجل ذلك القوات المدججة بالهراوات،و كم أنا مسالم و هادئ و هم يسلمونني لشرطي عجوز و سمين من السهل أن يتفلت من يديه أصغر الولدان).
الحقيقة انهم كانوا يعلمون يقينا اني بريء و مسالم(ولازلت) و قد كنت ضحية لضيق الوقت الذي اضطرهم لجمع الأخضر و اليابس كما اعترفوا لي بأنفسهم بعد زيارتهم لي بعد سنتين من السجن -لكن بعد ماذا-.
كانت مهمة الشرطي المسكين أن يبدي تعاطفه معي في نفس الوقت الذي يمرر لي رسائل تزرع الرعب و الهلع في قلبي مما ينتظرني من العذاب ان لم اتجاوب مع المحققين.
أخذني الى صالة واسعة نوافذها تطل على الخارج فوجدتها مليئة بالشباب المعتقلين كل واحد منهم ينام على الأرض و يضع حذاءه كمخدة تحت رأسه ،دون غطاء،دون فراش .
صفدني الشرطي من يدي و هما الى الخلف و أمرني بأن آخذ مكانا لي بين الموجودين.
كان يحرس هذه الصالة ثلاثة من افراد الشرطة كانت طبيعة عملهم تلزمهم بأن يتعاملو معنا بشكل جيد من باب أن قرينة البراءة لا تزال تلازمنا بحكم أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته،لكن هذه المعاملة سرعان ما تغيرت بعد أن تدخل الملقب (فرعون)أو (المكناسي) على الخط.
2-3-المسلخة (ولاية الأمن بفاس):
توجهت الى مكان فارغ , ازلت نعلي و حاولت معتمدا على قدماي جعلهما الواحدة فوق الأخرى كي أتوسدهما في نومي , لكنهما لم يفيا بالغرض لكونهما رقيقتين ومع ذلك جعلت منهما مخدة , فأنا مضطر أن أكيف نفسي مع الوضع الجديد.
أدرت يدي على جسدي و جعلتهما الى المقدمة بعدما كانتا مصفدتين الى الخلف-هذا بطبيعة الحال دون ان أثير انتباه الحراس-و استلقيت أرضا على ظهري و وضعت ساقي احداهما على الأخرى فكنت كلما استيقظت أحس بألم شديد في ساقي من شدة البرد لدرجة أني كنت أجد صعوبة في طيهما فقد كنا ننام على البلاط مباشرة دون غطاء.
كانت الدقيقة تمر علينا كالساعة و نحن ننتظر المصير المجهول.
3-3 -المسلخة (ولاية الأمن بفاس):
انجلى ظلام تلك الليلة الكالحة و أشرقت شمس يوم جديد أشرقت معها آمالنا في انكشاف هذه الغمة المفاجئة التي ألمت بنا على حين غرة.
انقلبت على جانبي الأيسر فاذا بي أرمق ادريس ابن الحي و صديق الدراسة ,استأنست بوجوده بالقرب مني و حاولت أن أكلمه بصوت خافت , لكنني لاحظت أن الشاب يتجاهلني , و بعد تدقيق الملاحظة استنتجت أنه مرعوب و منهك من أثر التعذيب الذي تعرض له , و قد كان لهذا الأمر وقعه السيء على نفسيتي , كيف سيتحمل جسدي النحيف التعذيب و -ادريس- دو البنية الرياضية القوية لم يتحمل هههه.
و فجأة يدخلون علينا بالطفل -ا ك- و علامات الخوف و الصدمة بادية على محياه ,جال بناظريه في القاعة عله يجد أحدا يعرفه فوقعت عينه علي و اتجه مباشرة ليستلقي بجانبي , و كالعادة خلع نعليه ليصنع منهما الوسادة , بدأنا نتكلم بصوت خافت فيما بيننا.
أخبرني أنهم مع مطلع الفجر اقتحموا منزله مسلحين بعصي تشبه العصي التي تستعمل في كرة -البيزبول- و أخرجوه من فراشه وسط عويل والدته و صدمة الباقين-
تساءلنا باستغراب لماذا يستهدفوننا و نحن- طبعا و طبيعة- ضد ما حدث في البيضاء, أم أن مشروع استهدافنا كان قبل أن يحدث ما حدث ؟؟؟؟؟ لماذا يلف الغموض هذه الأحداث لحد الساعة ولا يتجرأ أحد على الدعوة الى اعادة النبش من جديد في حيثياتها و تفعيل تحقيق جديد ومستقل يبين للمغاربة بأمانة وصدق المدبر الحقيقي لها ؟؟؟
4-3 -المسلخة (ولاية الأمن بفاس):
أ-الفرعون:
و نحن نتجاذب أطراف الحديت -همسا- يدخل علينا فجأة شخص عظيم الجثة, أسمر السحنة, في عيتيه بياض, ذو شعر غير منظم و شارب مفتول.انه (الفرعون) يا سادة, أو هكذا كنا نسميه فيما بيننا لما رأيناه منه من أهوال-شخص نزع الله من قلبه الرحمة و انعدمت فيه طيب الأخلاق-
صرخ في البداية في وجه الحراس قائلا:-<<كيف تتركونهم بهذا الشكل , لا يجب أن يتكلموا فيما بينهم , لا يجب أن ينظروا الى بعضهم البعض ……>>.أمرهم بجلب بعض الخرق لتغطية أعيننا .بعد ذلك استدار نحونا و بصوت فيه غلظة خاطبنا:-<<هنا كل شيء ممنوع لا كلام لا حركة لا اشارات…….>>
جاء الحراس ببعض القطع من الثوب أجثونا على ركبنا و نحن مستديرين للحائط لنبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة لا نرى فيها الا الظلام الدامس ليلا و نهارا بسبب (الباندا)التي تحيط بأعيننا و تصم آذاننا أيضا.
هذا ( الفرعون) كان مثله مثل الذي يسمونه بمصر (العشماوي) المكلف بشنق المحكومين بالاعدام.فقد كانت مهمته هي التعذيب النفسي و الجسدي للموقوفين.كان لا يعتقل أحدا و لا يحقق مع أحد و انما هو كالسيف المسلط على الرقاب اذا أشير له بالنزول على رقبة الضحية ينزل دون تردد بل بسادية تجعله يحس بنشوة و لذة و هو يعذب الناس و كأنه يتناول واحدة من ألذ وجباته.
مع مرور الزمن توالى وصول معتقلين جدد نرى على وجوههم علامات الصدمة و الرهب و بدت الصالة التي كانت تضم عددا قليلا من الموقوفين غاصة بهم.
وبعد لحظة بدؤوا ينادون على كل واحد باسمه و يأخذونه لوقت وجيز ثم يعيدونه.وصل دوري و نوديت باسمي .تم شد -الباندا-و الأصفاد بشكل جيد و بسرعة خاطفة تم اقتيادي من طرف شخصين للطابق العلوي من البناية و كانو يحرصون على الا يعرقل طريقنا احد.سواء من المواطنين القادمين لقضاء حوائجهم الادارية او من موظفي الولاية .و لطالما تعرضوا للمواطنين بالسب و الشتم اذا لم ينتبهوا لمرور رجال -الأمن -الذين يقتادون هذا -الارهابي الخطير-(زعموا).
أدخلوني لأحد المكاتب أزالوا عن عيني الغطاء و أزالوا الأصفاد .تقدم نحوي أحدهم حاملا آلة تصوير و بدأ يأخذ لي صورا من كل الاتجاهات .
أعادوني لمكاني و بعد دقائق عادوا لاقتيادي مرة أخرى لكن لمكتب آخر.هذه المرة أجلسوني على كرسي أمام محقق عاملني بلطف و بدأ يسألني عن معلوماتي الشخصية و يركز على أدق التفاصيل بحيث سألني عن أسماء فروع الفروع من العائلة أنا نفسي لم أعرفها.
و أنا أجيب على أسئلة المحقق كنت أحس بدوار و انهاك شديدين من أثر الجوع .فلم أتناول الا صحنا صغيرا من الأرز به فخذ صغير من الدجاج كوجبة قدمتها لي الوالدة-حفظها الله -بعد عودتي من السفر و قبل ذلك كنت لا أقوى على تناول أي شيء رغم اني كنت استعمل حبوبا مساعدة على فتح الشهية كنت قد اشتريتها بتازة بعد تراكم الهموم علي و فقدي للشهية بالكلية.
يتبع بإذن الله…