البصراوي عضو المكتب التنفيذي لنقابة المحامين أكد أن مسودة مشروع قانون السجون عاقبت على النية في ارتكاب المخالفة
أجرت الحوار: كريمة مصلي
يرى علال البصراوي، عضو المكتب التنفيذي لنقابة المحامين ، عضو المكتب التنفيذي للهيأة المغربية لحقوق الانسان ، أن مسودة القانون المنظم للسجون، لم يجب عن الأسباب الخفية التي دعت إلى إعادة النظر في مقتضيات القانون القديم. وأشار في حوار مع «الصباح»، إلى أن التوسيع في حالات استعمال القوة يؤدي إلى إحداث حالة احتقان داخل المؤسسة ما يحول دون أدائها لدورها. وفي ما يلي نص الحوار:
< طرحت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، للنقاش، مسودة مشروع قانون جديد لتنظيم السجون بعد مرور أزيد من خمس عشرة سنة على العمل بالقانون الحالي، في نظركم ما هي أسباب النزول؟
< معلوم أن لكل نص قانوني (أو غير قانوني) أسبابا لنزوله، قد يتم الإعلان عنها- في النص ذاته أو خارجه- وقد لا يتم ذلك .
وبالنسبة إلى مسودة مشروع القانون المنظم للسجون موضوع البحث، فإنها أعلنت عن أسباب النزول في الديباجة في إطار تحديد السياقات التي يأتي فيها هذا المشروع وكثفت ذلك في الخاتمة، معتبرة أن الأمر يتعلق بمراجعة شمولية وعميقة للقانون المنظم للسجون للحفاظ على المكتسبات وترسيخ قيم ومبادئ حقوق الإنسان في السجون وبلورة كافة الضمانات التي تقتضيها المواثيق والقواعد الدولية، بهدف حسن تبويب القانون ووضع صياغة واضحة .
إذن الأسباب المعلن عنها كلها أسباب عامة مرتبطة بالسياق الحقوقي لكن الأسباب الأساسية والمحددة التي تعتبر الهاجس الحقيقي للمهتمين بوضعية السجون غير معلن عنها ونذكر تحديدا، اكتظاظ السجون والعنف داخلها والمخدرات، وحالات العود- وهي من معضلات وضعية السجون ونتيجة لها، وعلاقة المؤسسة مع المحيط الخارجي، تلك أهم المعضلات التي تطرحها وضعية السجون، وبالتالي فإن المعالجة القانونية للوضعية ينبغي أن تجيب عنها وهو ما لم يتم .
< يعيب البعض على المندوبية أنها استفردت بإحداث مشروع القانون دون المشاركة الفعلية لمختلف هيآت المجتمع المدني؟
< بعد إعداد المسودة الحالية لمشروع القانون المنظم للسجون، طرحتها المندوبية العامة لإدارة السجون للتداول مصرحة أنها تعتمد التشاركية منهجا لإخراج القانون الجديد، بل أكثر من ذلك صرحت في ديباجة المسودة أنه «قد تم الحرص على إشراك مختلف الفعاليات ذات التمثيلية الوازنة للمجتمع المدني»؟، وبغض النظر عمن هي تلك الفعاليات ذات التمثيلية الوازنة للمجتمع المدني، فإنه تنبغي الإشارة إلى أمرين، الأول ، أن مسألة التشاركية التي أصبحت كثير من الجهات تقول في كل مناسبة إنها تعتمدها، إنما هي تشاركية في الشكل ولا تتعداه إلى المضمون، إذ يطلب من جمعيات المجتمع المدني وحتى بعض الهيآت الأخرى أو المؤسسات الإدلاء برأيها عن طريق مذكرات أو غيرها وتقديمها فعلا، لكن في نهاية المطاف لا يلتفت إليها ولا يؤخذ بما جاء فيها لا كليا ولا جزئيا، رغم المجهودات والعمل والتعبئة التي تبذل لتقديم هذه الآراء .وتكرر هذا السلوك حتى أصبح ظاهرة في السنوات الأخيرة .
أما الأمر الثاني الذي يطرحه موضوع التشاركية في شأن المسودة، فهو شكل التشاركية الذي سبق أن اقترحه المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تقريره المقدم سنة 2012 بعنوان «أزمة السجون مسؤولية مشتركة، مائة توصية من أجل حماية حقوق السجناء و السجينات»، إذ أوصى المجلس بإطلاق حوار وطني واسع حول الأوضاع بالسجون من خلال عقد مناظرة وطنية تشارك فيها كافة المكونات المجتمعية الحكومية وغير الحكومية لتشخيص واقع حال المؤسسات السجنية وبلورة مقترحات للإصلاح تهم السجون ومراكز الأحداث ، ولا شك أن هذه التوصية جديرة بالتفعيل قبل وضع مسودة مشروع قانون السجون، بل إن التشاركية الحقيقية تقتضي أن تأتي هذه المسودة عن طريق ذلك الحوار الوطني ومن خلال المناظرة الوطنية للتشخيص وبلورة المقترحات ، وهذا الأمر ما زال اليوم متاحا ويمكن اعتبار المسودة الحالية أرضية للنقاش.
< يرى البعض أن المسودة لم تشر إلى الجهة المكلفة والمشرفة والمسؤولة قانونيا وسياسيا عن السجون ؟
< المسودة أوردت عدة مقتضيات متضاربة، إذ جاء في المادة 14 منها أن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج هي الإدارة المكلفة بالسجون، وأوردت المادة 5 من المسودة نفسها أن «تدبير القطاع السجني مسؤولية مشتركة»، مشتركة بين من ؟
وكل هذا غير منسجم مع ما هو منصوص عليه في المادة 608 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه « لا يمكن الاعتقال إلا بمؤسسات سجنية تابعة لوزارة العدل»، وبالتأكيد فإن المندوبية العامة لإدارة السجون ليست مصلحة تابعة لوزارة العدل، والمندوب العام ليس موظفا بوزارة العدل، فظهير 29 أبريل 2008 المتعلق بتعيين المندوب العام، نص في مادته الأولى أنه «يتمتع المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج بوضعيته مماثلة لوضعية كتاب الدولة في ما يتعلق بالمرتب والتعويضات والمنافع العينية». ولا شك أن تحديد الجهة المسؤولة عن السجون أمر في غاية الأهمية في تحديد المسؤولية القانونية والسياسية .
< تضمنت المسودة الحديث عن تأديب السجناء بشكل اعتبره المهتمون فضفاضا، إلى أي حد يمكن أن يكون ذلك صحيحا؟
< في الفرع المتعلق بالتأديب حددت المسودة الأخطاء التي يرتكبها السجين ويتم تأديبه بناء عليها في ثلاثة أصناف من الأخطاء، أخطاء من الدرجة الأولى وأخطاء من الدرجة الثانية وأخطاء من الدرجة الثالثة .
الملاحظ أنها كثيرة جدا وشملت كل المجالات وصيغت بأسلوب «كل ما من شأنه»، بالشكل الذي يترجم القاعدة أن كل شيء في السجن ممنوع إلا ما سمح به القانون، بدلا عن القاعدة التي ينبغي أن تعتمد، كل شيء في السجن مباح إلا ما منعه القانون، إلى درجة أنه حتى المحاولة تم اعتبارها خطأ يستحق التأديب. فكيف يمكن مثلا تصور مخالفة محاولة عدم المحافظة على النظافة أو محاولة إحداث الضوضاء أو محاولة عدم الامتثال لأمر شرعي لموظفي المؤسسة السجنية؟، إن الأمر هنا يتعلق بالنية التي تصبح معاقبا عليها. إضافة إلى ذلك فقد أوردت المسودة مقتضيات استعمال العنف ضد السجناء في موضعين، حين تحدثت عن أمن المؤسسات السجنية وسلامة الأشخاص (المادة 240 و ما بعد) وأيضا وبشكل معيب في الفرع المتعلق بالتأديب حين تحدثت في المادة 260 عن استعمال وسائل الضغط ضد السجناء كالأصفاد والقيود وقميص القوة .وبالرجوع إلى الحالات التي يمكن فيها استعمال القوة ضد السجين نجدها واسعة وتتضمن حالات لا مبرر لها. إن التوسع في حالات استعمال القوة يؤدي إلى إحداث حالة احتقان داخل المؤسسة ويجعل العلاقة متوترة بين السجناء والموظفين ما يحول دون أدائها لدورها .
المسودة لم تضع أسسا لمراقبة السجون
إن توفير قانون منظم للسجون ينظم الحقوق والواجبات أمر مهم، لكن الأهم منه هو مراقبة مدى تطبيقه و احترامه،
وهذه المراقبة عادة تقوم بها الإدارة المشرفة نفسها ويقوم بها القضاء وتقوم بها اللجان الإقليمية المنصوص عليها في المادتين 620 و 621 من قانون المسطرة الجنائية .
وإننا لا نغالي إذا قلنا بأن جزءا كبيرا من مشاكل السجون يعود إلى عدم فعالية المراقبة، وهو الأمر الذي لم تتطرق له أصلا مسودة مشروع القانون، إذ لم تحاول أن تضع أسسا لرقابة فعالة تضمن أداء المؤسسة السجنية لعملها في جو يحقق الأمن ولا يمس الحقوق عن طريق تنفيذ العقوبة لكن بهدف إصلاح السجين وإعادة إدماجه.
تصنيف السجناء
نص الفرع الخامس من الباب الثاني وتحديدا المادة 28 وما بعد على تصنيف السجون، لكن يلاحظ أنه تصنيف مضطرب إذ نصت المادة على أن المؤسسات السجنية هي السجون المركزية، والسجون المحلية والسجون الفلاحية ومراكز التهذيب، ثم عادت في المادة 36 لتنص على أن المؤسسات السجنية هي قسمان، السجون المحلية ثم السجون المنصوص عليها في المادة 28 المذكورة وهذا التكرار الذي أربك التصنيف لا داعي له أصلا .
أما بالنسبة إلى تصنيف السجناء فقد أوردته المسودة في المادة 57 وما بعد و حاولت ربط تصنيف السجناء بتصنيف السجون، لكن ذلك لم يكن موفقا لأن تصنيف السجون سالف الذكر تم أساسا على أساس ما إذا كان السجين معتقلا احتياطيا أم مدانا وعلى أساس مدة العقوبة .أما تصنيف السجناء، فهو يتم داخل المؤسسة السجنية، ومدة العقوبة ليست إلا عنصرا واحدا ضمن عناصر أخرى قد تعتمد في التصنيف. فالسجين قد يكون حاملا لعقوبة طويلة لكن سلوكه داخل المؤسسة قد يكون جيدا مما يجعله ضمن تصنيف معين وقد تكون عقوبته قليلة المدى لكن سلوكه داخل المؤسسة ينم عن خطورة مما يجعله ضمن تصنيف آخر .لكل ذلك فإن تصنيف السجون والسجناء والربط بينهما يحتاج إلى تدقيق أكثر .
في سطور
– محام بهيأة خريبكة
– عضو المكتب التنفيذي لنقابة المحامين المغرب
– عضو المكتب التنفيذي للهيأة المغربية لحقوق الإنسان
المصدر: الصباح