معاناة نساء المعتقلين الإسلاميين المغيّبة في يوم يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للمرأة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين المتصف بالعظمة والجلال القائل سبحانه : ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير “.

والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين القائل صلّى الله عليه وسلم : ” إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ” . وبعد

فها هو العالم يحتفل بما يسمونه ” باليوم العالمي للمرأة ” الموافق ل 08 مارس 2017 “تكريما” لها كما يقولون. وهنا لا بد من التأكيد على أن الإسلام كرّم المرأة كل يوم من أيام السنة و أعطاها جميع حقوقها، فجعلها شقيقة الرجل ، وأنزل سورة في القرآن باسم النساء ، ونهى عن إيذائها أو ظلمها ، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بها كثيرًا فقال:  ” استوصوا بالنساء خيرًا ” وجعل خير الرجال من يحسن لزوجته ، فقال صلى الله عليه و سلم : ” خيركم خيركم لأهله ”  و جعل الأم أحق الناس بحسن الصحبة والتعامل . هذه مجرد إشارة كان لا بد من العروج عليها بعجالة وإلا فالحديث يطول .

يحتفل العالم بهذا اليوم و يسلط الضوء فيه على قضايا المرأة، و تناقش مشاكل أطياف مختلفة من النساء بالمجتمع،  و تنجز التقارير التي تتحدث عن وضعيتهن، إلا أنه يتمّ استثناء  وإقصاء فئة معينة من النساء تبقى معاناتهن مغيّبة وطيّ الكتمان ، وكأنهن لسن من جنس النساء ، إنهن زوجات المعتقلين الإسلاميين وبناتهم وأمهاتهم وأخواتهم وقد اخترنا في اللجنة المشتركة  للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين أن نكون لسانهن ننقل معاناتهن ونسلّط الضوء على أوضاعهن ، وسنتناول ذلك بشكل عام إن شاء الله .

لقد كان من بين الضحايا المباشرين لأحداث 16 ماي 2003 المفبركة  والتي جاءت في إطار انخراط المغرب فيما يسمى ” بالحرب على الإرهاب ” نساء المعتقلين الإسلاميين اللواتي تدمرت حياتهن وتشتت شملهن جرّاء هذه الاعتقالات الجائرة والتي بموجبها أقبر أقرباؤهن من الرجال بعشرات السنين .

فأصبحت الزوجة بين عشية وضحاها أرملة لرجل حي أقبر بالسجون ، فغدت بلا كفيل ولا ظهير ولا سند وتوجّب عليها دون سابق إنذار أن تعيل أبناءها وتلعب دور الأم والأب في آن واحد و أثقل كاهلها بمسؤوليات جسام ، مما اضطرّ العديدات منهن إلى الخروج للبحث عن عمل وبدء رحلة شاقة ومرهقة لا زالت مستمرة لحدّ الساعة عند العديد منهن .

هذا فيما يتعلق بالزوجات أما الأمهات فمنهن من اعتلّ جسمها وأصيبت بانتكاسة صحية خطيرة أقعدتها الفراش بسبب الحكم القاسي الظالم الذي حكم به على ابنها إثر تلك الأحداث ، حتى غادرت الحياة عليلة الجسم مفطورة الفؤاد على فلذة كبدها المقبور بالسجون المغربية ، ومنهن من اعتل جسمها ولا زالت تعاني لحدّ السّاعة و تحمل بين جنبها حزنا دفينا و كبدا ممزقا أسى وحسرة على زهرة شباب ابنها التي ضاعت وراء القضبان ودائما ما تمتلئ عيونها دموعا مع كل ذكرى .

أما بالنسبة لبنات المعتقلين الإسلاميين فحدّث ولا حرج فقد كبرن كاليتيمات لا تعرفن عن آبائهن إلا لمحات خاطفة يسمح بها السجان بين حين وآخر في أوقات الزيارة ، عشن على أمل اللقاء بآبائهن  المغيّبين خلف القضبان ، و حلمن لسنوات بيوم تحظين فيه بملاعبتهن وحملهن و أخذهن إلى المدرسة  من طرفهم و كذا التنزه بصحبتهن حتى أدركهن  العمر ومرّت مرحلة طفولتهن وأحلامها المصادرة ، لتأتي مرحلة عمرية أخرى  تحتجن فيه إلى الصحبة الأبوية الجميلة  والإرشاد والتوجيه السليم و العاطفة الأبوية ولا زلن تحلمن وتنتظرن بأمل يحدوه الرجاء و تحسبن الأيام والشهور و تخفق قلوبهن مع كلّ مناسبة وعيد  عسى اللقاء يكون قريب . وحسبنا الله ونعم الوكيل .

وكم من أمّ و أخت عندما غابت الزوجة عن معتقلهن تحملّن أعباء زيارته ودعمه في محنته .

كلّ هؤلاء النساء فاقمت مندوبية السجون معاناتهن و ذلك حينما أبعدت عنهن معتقليهن بمئات الكيلومترات ولم تراع ظروفهن  ووضعيتهن الصعبة ، وصعّبت عليهن الحياة أكثر فأكثر حينما أساءت إلى معتقليهن داخل السجون و حرمتهم من جميع حقوقهم وعرّضتهم للتجويع والبؤس ، كما تعرضت هؤلاء النساء للمهانة والإذلال عندما تعرّضن للتفتيش المهين الحاط من الكرامة الإنسانية .

و قد زاد ألم هؤلاء النسوة واشتد ّعندما تواطأت كل الجهات وتلكّأت عن إيجاد حل عادل ومنصف لملف معتقليهن الذي عمّر قرابة العقد و نصف من الزمن ولا زالت معاناتهن مستمرة . فحسبنا الله ونعم الوكيل .

كما لا ننسى في هذا المقام عيّنة من النساء تغيب قضاياهن و معاناتهن عن وسائل الإعلام وهن اللواتي تمّ استهدافهن بالاعتقال، فمنذ أن انخرط المغرب فيما يسمى” بالحرب على الارهاب  ” كانت هناك  اعتقالات متفرقة في صفوف النساء آخرها خلية القاصرات العشرة التي شهد حقوقيون و إعلاميون و محامون بتشويه صورتهن و إدانتهن وهن مازلن رهن التحقيق . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

وبه وجب الإعلام والسلام

المكتب التنفيذي للجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين

بتاريخ 08 مارس 2017

شارك هاذا المقال !

لا توجد تعليقات

أضف تعليق