مصالحة بلا إنصاف


كم من الأقوال والأفكار تؤخذ مُسلّمة إما بالتقليد عن جهل، إما لكثرة تداولها أو لانتشار معرفتها بطريقة ما وإن لم تكن بالشكل الصحيح، فيسقط تعجب العقول منها حتى تصير معدودة في المسائل اليقينية، وهي فيم يخص مسألة التديّن من حيث هو سلوك داخل المجتمع (المجتمع الإسلامي) الذي أضحى يعتبر اليوم في غالب الأحيان داخل المجتمعات العربية الإسلامية عامّة، والمجتمع المغربي خصوصا فيه شيء من التّعصب والجهل والجمود أضفته فئة تلقّت الدّين في افتقاد واضح لناظم منهجي صحيح يضبط هذه الممارسة لهذه النخب، لكن هذا ليس هو الأصل، أو أن هذه الفئة قليلة جدا أو نادرة، ومن المؤسف أن هذه الفكرة تعمّمت وتوسّعت حتى أصبح هذا الإنسان الذي يمارس الدّين كسلوك مع ذاته ومع أسرته ومع المجتمع لم يستوعب جيدا مفاهيم الخطاب الدّيني، وفي الحقيقة أن النص الدّيني هو خطاب صحيح وضمني لا يتغيّر ولا يتبدّل تبعا للظروف الإجتماعية والسياسية أو الأحوال الإقتصادية، بل هذه الظروف والأحوال هي التي تخضع له كما هو معلوم، ومنه التسويق الإعلامي أولا، الذي لطالما أراد طرح إشكال تبني فكر غال متطرّف لإضفاء الشّرعية والمصداقية على الإعتقالات والأحكام التي طالت التيّار السّلفي خصوصاً الذي كان ضحيّة تماهي الدّولة المغربية في سياسة عالمية لمحاربة كل داع و مؤمن بأولوية حاكمية الشّريعة الإسلامية على القوانين الوضعية البشرية..

ومضمونا نعتبر أن التّسويق الإعلامي لما أطلق عليه “برنامج مصالحة” على سبيل المثال، وهذه المبادرة كانت بتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وفكرتها عبارة على الآتي: “أن هذا الإنسان الذي دفعه تديّنه إلى حد الإعتقال” أنه إنسان غير متصالح مع ذاته: باعتبار أن لديه مشكل التمثل السّليم للذات، بمعنى أن (ذاته تملك الحقيقة بشكل مغلوط).. وبالتالي أصبح لديه قطيعة مع المجتمع والأسرة، لأنه لم يستوعب أصلا المفاهيم الصّحيحة للنّص الديني، (له تأويل خاطئ للفهم الصحيح للنص الشرعي)، وعليه كان لزاما إعادة هذا التّوازن وهذه العلاقة مع المجتمع والمحيط الإجتماعي لخلق نوع من التفاعل الإيجابي في إطار القيم الصّحيحة للمجتمع المغربي.

لكن “برنامج مصالحة” هذا تضمّن توصيفاً للحالة غير صحيح بتاتا ولا علاقة له بواقع المعتقل الإسلامي، وبأن هذا الفكر المتطرّف لم يؤمن به اعتقاداً وممارسة، بالإضافة إلى تعمّد طرح مغالطات قصد شيطنة أبناء الصّحوة الإسلامية في هذا الوطن.

ويا ليت شعري رمتني بدائها وانسلت..

فمن يحتاج مصالحة الدولة نفسها ( وللذكر وليس للحصر) مع ذاتها حيث ما تروّجه وتسوّقه السّاحة الإعلامية يخالف حقيقتها واقعيا مما يدل على إنفصام ذاتي ..

ومع النّص الشرعي حيث غيّبته عن مناحي الحياة والحكم، وتحميله ما لا يحتمل من مفاهيم مغلوطة ليُناسب هواها وذلك للحفاظ على إنسان واحد ضمن منظومة اجتماعية واحدة معيّنة، وبالتالي هذا يتطلّب في غالب الأحيان التّنازل على بعض الأخلاق والمبادئ لخدمة غاية معيّنة دون الإلتفات إلى النّص، وإن ظهر بصفة دفاع عن الحقّ والفضيلة، مع العلم أن القيم الإسلامية بما فيها القرآن الكريم والسّنة النبوية لا تزال وستبقى محور العلاقات الإجتماعية، واستطاع هذان المصدران الأصليان للإسلام حفظ هذه المجتمعات وقيمها من الإندثار والتّفكك.

ومع المجتمع والأسرة أيضاً، حيث انعدمت فرص الشغل والتفقير وكتم الحريات، بالإضافة إلى المناهج التعليمية المهترئة، وانعدام الدعوة الإسلامية في أصالتها، الدّعوة التي تؤمن بالإصلاح من نقطة الواقع القائم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة المفهوم الإسلامي الأصيل، وتصحيح العُرف القائم المنحرف في مجالات الفكر والإجتماع ، على أن يقوم الإصلاح على أساس المنابع الإسلامية نفسها باعتبار تغير الزمن وتغير الظروف والأوضاع، مع الإيمان الأكيد أن الإسلام لم يخضع في أي مرحلة من مراحل تاريخه لأي محاولة لتغيير طبيعته الخاصة، وذاتيته الربانية..

هذا بالإضافة إلى سعي الإعلام الرسمي إلى إفساد الأسرة وانحلالها أخلاقيا، وسلخها عن مرجعيتها الإسلامية، فإذا اعتبرنا أنّ السّر في نهضة الأمم وتقدّمها هو الوعي الذي يجمعها على هدف واحد، فهو الذي يكون سبباً في تقدّمها أو تفتّتها، فلكي ننهض، يجب أن يصاحب هذا ذلك الوعي فهم المبادئ والقيم الإسلامية الذي يتجمّع الناس حولها وصولا إلى النّهضة المادّية والعقلية والروحية، إذا أو ليست الأخلاق التي يقدّمها الإعلام هي الصّورة الواقعية لهذا الوعي؟ أليست وسائل الإعلام اليوم هي التّطبيق العملي والواقعي للحياة اليومية؟

وإن كانت فئة من المعتقلين قد أخطأت وأقرت على نفسها الإجرام في حق ذاتها و ودينها ومجتمعها علما أنّها لم تستوعب النّص الدّيني بشكل صحيح، وأخرى تأوّلت حالة الإكراه بعد سنوات من السّجن ومعاناته، إن أقرّت على نفسها مالم تقترفه فذلك إنقاذاً لنفسها واشتياقا لأهلها ورجوعاً لمآلها ، فما ذنب الفئة العريضة التي برّأت نفسها سابقا مما نُسب إليها وكانت ضحية حملة عشواء وانتهاكات صارخة طالتها بعد تفجيرات الدار البيضاء الأليمة 16 ماي 2003، والتي إلى يومنا هذا لم يفتح تحقيق نزيه بخصوص ملابساتها ، بحثاً عن حق هذه الفئة العريضة من أجل إيجاد حل جدري ومنصف لقضيتها…

ومن أجلها ستحاول هذا المقالة إعمال مقاربتها النّقدية هاته من خلال تجريد هذه المفاهيم الثلاثة والكشف عن جوهرها وحقيقتها بمفهوم آخر، وذلك بتخليصها ممّا قد يشوبها من تمظهرات وأشكال ربما كانت مغلوطة.

وأن من خطوات التقييم التي من الممكن إبرازها في هذا السّياق متعلق بإثارة الإنتباه إلى الأسس التي بُني عليها البرنامج، باعتبارأن هاته الفئة لديها فكر مفارق للأسس المرجعية والمنظومات القيمية المتأصّلة في المجتمع المغربي وعلى هذا يجب أن يقوم التّصالح.

أولا: التصالح مع الذّات

هو ليس في حاجة طبعا لأن يتصالح مع ذاته، لأنه يملك أولا هويّة دينية إسلامية متوافقة وفطرته موافقة سليمة خالية من أي شوائب، يؤمن بقيم مشتركة يستطيع كل مجتمع إنساني قبولها بكل رضا من النّاحية الإنسانية والإجتماعيةوالأخلاقية،فهو ليس منطويا على نفسه منغلقا عليها، وإن كانت مراقبته لها مراقبة دقيقة فهذا لا يعفيه من مسؤولياته كأن يظل أسيرا لأنانيته القاتلة ضمن معتقد خاص به، لأن مايعتقده ويؤمن به هو ما يعتقده ويؤمن به سائر النّاس التي تعيش في محيطه، فإذا اعتبر غير متصالح مع ذاته فإنه شخص أضاع قابليته الروحية على الحركة الإيجابية الفعّالة التي يدعو إليها الدّين الإسلامي.

فهو نفسه يرى أن الإنسان المثالي هو الإنسان الحركي في أطواره وفي تفكيره، وهو نفسه يستطيع تحمل عبء كبير كالحوار والتسامح والمدافعة والإنسان المضحي والمخلص والصادق كالسلف الصالح من ذوي القلوب الكبيرة، فلم يكتف بتديّن بسيط ولم يترك شخصه منزويا يتقلب حسب التيارات الإجتماعية الفاسدة منها..

فذاته تعتمد حركة وانضباط في نفس الوقت لإحيائها وإحياء الآخرين، ففكره مستوعب لجميع المراحل الإنسانية والإجتماعية ولا يعيش القلق الإنساني أو الكوني، فالقلق ينبع من الذّات الأيديولوجية المتعصّبة، التي تركها جانبا وتناول أنموذج المخلوق الذّي امتلأ بحب الله وحب الناس فهو مستعد لأن يضع رغباته الشّخصية أمام أي موقع وعلى رأس عدّة علاقات في المجتمع، لأن له طبيعة روحية وفكرية واجتماعية تجعله يتصرّف في كل أمر من الأمور تصرّفا إيجابيا بنّاءاً.

ثانيا: التصالح مع النص الدّيني

إن فكرة التصالح مع النص الديني تنطلق من أن الممارسة الدّينة هي نظم فكرية دينية قديمة تأثرت بعلوم ومعارف البشرية السّابقة، والحقيقة أنها لا تعكس سوى فهم السّلف للحقائق الدّينية وبشكل لا يتعارض مع الإنسان المعاصر، فهو لا يعتبر نفسه وصيا على الإسلام أو ناطقا باسمه، لكنه يعتبر أن الإنطلاق من المرجعية الإسلامية هو الوضع الطبيعي الذي ينبغي أن يُتّبع، وإن كانت له اجتهادات واختيارات فإن هذه المرجعية لا تعطيها شكلا من أشكال العصمة، فهي أيضا قابلة للأخذ والرّد والمراجعة.

وأن مصادر الدّين الإسلامي عنده محددّة بالكتاب والسنة المصدران النّقليان، فهو يجمع بين الدّين بوصفه نصّا والعقل بوصفه مستنبطاً للعلم من النّص،وأن العلم هو أساس التّكليف والإجتهاد وصحّة الأعمال والأقوال، والعلاقة بين العلم والدّين لا تقوم على إلغاء أحدهما الآخر.
ينطلق أولا من التوحيد، فتوحيد الله عز وجل في الرؤية الإسلامية ينبثق عنه مفهوم الإستخلاف، ولعلّ هذه الرؤية هي التي تربط بين التوحيد والوجود وبين العقل والنقل، وبين الإنسان والكون في علاقة مركّبة لا تناقض فيها ولا تعارض، ويؤمن أن التوحيد يجعل أصل العلاقات بين البشر مبنيا على التعارف والتدافع الخلاّق.

ويفهم النّص عن طريق المفهوم القرآني للقلب، بمعنى أن القلب بالنسبة له هو مصدر الإدراكات العقلية بحيث يكون في سلامة القلب سلامة المعارف والمُدركات، كما أن القلب هو مصدر القيم الأخلاقية التي تنبني عليها الأحكام الشّرعية، بحيث يكون في صلاحه صلاح الأعمال والتصرفات، كما يقول الإمام الماوردي في هذا السياق: “وكل من نفى أن يكون العقل جوهراً أثبت محله في القلب، لأن القلب محل العلوم كلها”، قال تعالى ” أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور(الحج: 46)

ــ ويتّبع نهج علماء السّلف ونموذجهم الذين قدّموا خصوصاً في حرصهم ووعيم بأهمية العلم في بناء الحضارة وعدم انفكاك ذلك عن الهويّة في التأليف والتحصيل وتقويم المنهج والتكامل المعرفي على مستوى الأفراد والجماعات. ومذهب السّلف المقصود به هنا (بدءا من النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم إلى التابعين وأتباع التابعين…) وعن اتباع هذا النهج كما يقول الدكتور فريد الأنصاري (رحمه الله) : لقد أسأت زمنًا طويلاً في فهم عقيدة السلف الصالح..

لقد رسخ في ذهني ـ بعد المشاهدة والمعاينة للآثار السلبية التي ترتبت عن التكوين العقدي القائم على نفسية ردود الأفعال المتشنجة، وعقلية التفتيش المذهبي ـ أننا في حاجة ماسة ومستعجلة؛ لإعادة قراءة عقيدة السلف الصالح من مصادرها الأولى، وإلى إعادة قراءة أعلامها الكبار الذين تميزوا في التاريخ الإسلامي بالريادة والقيادة، وأسهموا في بناء صرح الأمة وتجديد حياتها، كالأئمة الأربعة أبي حنيفة، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ومن جاء بعدهم من المتميزين في هذا السياق..

وعندما نقول العصر الذي عاش فيه الأسلاف لأن فيه المثال الحقيقي للإيمان، لا يوجد فيه أي شائبة أيديولوجية أو سياسية أو تطرّف أو غلو، حياة مفعمة بالإرتباط الصّادق بالدّين، خصوصا أن جيل ذلك العصر انحدر من بين أناس قساة القلب ظالمين جهلاء، ورغم ذلك فقد نجحوا في تكوين أمّة جديدة. ذلك الجيل الذهبي الطاهر المخلص خصوصا (جيل الصّحابة)، هو الجيل الذي ارتبط به هؤلاء النّاس من ناحية القدوة الفردية والإجتماعية..

كما أنهم أيضا يستعملون آليات الأئمة الأربعة في فهم المسائل الفقهية، بالإضافة إلى أنهم لا يختلفون عن اتّباع المغاربة جميعا للمذهب المالكي، وبأنه يُعبّر عن الوحدة المذهبية الدّينية للبلاد، ويطبّقونه أيضا من ناحية قدرته على استيعاب المتغيرات وضبط المستجدات كما هو معلوم..

وبالتالي فاستنباطات هؤلاء انطلاقا من اتباع هذه المناهج إيمانا بأنها كلها موثوقة ولا يوجد تناقض فيما بينها بما يخص الأمور الإعتقادية، فهذا فهم جد صحيح وبالتالي فلا توجد طبعا خصومة مع النّص.

ثالثا : التصالح مع المجتمع

انطلاقا من قول: “كتلة حب يوجّهونها للجماعة، وكتلة كره يوجّهونها للمجتمع..”

أولا إن هذه الفئة تعتبر أيضا من المجتمع، فهي ليست بمعزل عنه، وبالتالي فإن كتلة الحب هذه هي ليست للجماعة في حدّ ذاتها ككيان مستقل،أو نصرة لها أو لأفرادها، بل نصرة لأهدافها وغاياتها ومراميها التي تهم كل فرد مسلم داخل المجتمع دون استتناء، هذا الهدف هو” إعلاء كلمة الله” كهدف سامي يتجاوز الإرادة والقدرة والتضحية الفردية، فإذا كان القرآن الكريم يشير إلى أن المسلمين(أمّة)، فإن الأمّة هي تعبير عن جميع المجتمعات الإسلامية، ونظراً لذلك أن هذه الجماعة لم تكوّن نظرة كره للمجتمع، بل هي التي كوّنت كتلا تتجاوز الإرادات الفردية وتأخذ على عاتقها تحقيق بعض الوظائف الإجتماعية للأمة عن طريق التكافلية والتراحمية والتعاونية والسّلمية الجماعية للدّفع بالأمّة نحو توجّه يعضده الثّقة في القدرة على صنع غد أفضل روحيا ودينيا وعقليا واجتماعيا..

بمعنى أن توظيف العواطف ومشاعر الحب ليس للجماعة المنصورة كذات أو كفكرة، إنّما لتحقيق داخل التكتّل داخل وعاء معنوي تذوب فيه أنانيات الأفراد ونوازعهم النّفعية داخل الإطار الشّرعي المرتبط بالقرآن الكريم والسّنة النبوية المطهّرة..

فهم يؤمنون أن الإسلام يُعدّ العيش داخل المجتمع وتحمّل بعض السّلبيات الناتجة عنه جهاداً، فقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: “المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير منالمؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ” .رواه ابن ماجة (4032) ورواه الترمذي (2570) بمعنى النص أن التعامل مع النّاس قد يكون مؤذيا في بعض الأحيان، لأن الناس أصناف وأنواع مختلفة من الناحية الأخلاقية والروحية والشخصية، وهذا التنوع قد يخلق المشاكل أحيانا ورغم ذلك فالمتعاملين مع الناس هم أفضل. لأن الذي تنتجه وتؤمّنه العقيدة الإسلامية هو أن يبقى الفرد بجميع خصائصه الفردية لكنّه يُثري في الوقت نفسه شخصيته بالخصائص الإجتماعية التي لا تنفكّ عن الروح الدّينية الإسلامية. فحتّى الغلاة دينيا يشتركون بشكل من الأشكال في الإرتباط بالإسلام من النّاحية الإجتماعية والنفسية..

إنّ الصّبغة الغالبة في المجتمعات الإسلامية هي صبغة التعاون والتساند والتضحية، وهذه الصبغة تنتج على الدوام أهدافاً ومثلا مشتركة في المجتمع، وبالتالي لا يمكن النظر إليها كأنها مذهب أو جماعة قامت ضد التقاليد الإسلامية أو العرف الإسلامي إلا أذا كان طبعا يخالف ماشرعه الله بإجماع علماء الأمّة عليه، ومن هنا فلا توجد لا خصومة مع الذّات ولا مع النّص ولا حتّى مع المجتمع، لأن هذا لا يمزّق الإطار الإسلامي، ولا يبحث عن هويّة جديدة، بل هو فقط يعتقد أن بدون فهم الدّور الرئيسي لتأثير القرآن والسنة على المجتمعات الإسلامية وقبول هذا الدّور لا يمكن فهم الهويّة الفردية والإجتماعية للمسلمين فهما صحيحاً.

وهذا المفهوم يأخذنا إلى حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلمعن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك”أخرجه البخاري (3641) ومسلم(1037). بمعنى القائمين على أمر الله،والقائم على أمر الله، هو القائم على الحق الثابت عليه، المحافظ له،وما ينتفي عنه العوج ثتبث له الإستقامة، والإستقامة هي الطريق التي تمتد في اتجاه واحد بدون أي اعوجاج “وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ” قَيّماً(الكهف: 1ـ2.

فإذا كان الدّين هو قوام الوجود وعماده،فإن مما تقتضيه الحِكمة في تنظيم حركة ذلك الوجود هو حفظ أمانة الدّين، والقيام عليه باعتباره أعظم قيمة في الوجود، ومن هذه الإستقامة تنطلق وجوب الدّعوة إلى الله فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِير(الشورى:15.

عصام اشويدر ـ معتقل إسلامي سابق وفاعل حقوقي وإعلامي

30-10-2017

شارك هاذا المقال !

لا توجد تعليقات

أضف تعليق