5- أثر الاعتقال على الأسرة:
ملحوظة:قلت الأسرة ولم أقل العائلة قصدا لأن الأسرة هي من تأثر بشكل فعلي أما العائلة فسأذكر بابا لاحقا أسميه -أثر رد الفعل السلبي للعائلة علي. مع وجود بعض الاستثناءات.
سأحاول التخلص من الروتين الذي يفرضه علينا تسلسل الأحداث بشكل متتالي و أقدم هذه المرة ما حقه التأخير.لأن ما سأذكره حدث و أنا مختفي أو مختطف لا أعلم عن أسرتي شيئا و لا يعلمون عني شيئا انما حكي لي بالتواتر بعد خروجي من المعتقل.
امتصت أسرتي صدمة الاعتقال ظنا منهم أن الأمر لا يعدو على ان يكون تحقيقا بسيطا و بعدها أعود الى عملي و بيتي و هذا ما كانوا يسلون به نفسهم الى ان جاء الخبر الصاعقة.
على أمواج اذاعة midi1 بث خبر لبيان وزارة الداخلية تعلن فيه عن تفكيك خلية ارهابية كانت تخطط لاستهداف مصالح في البلد و القيام بتفجيرات و قد سمى الخلية بخلية فاس الأولى.ذهل الجميع و هم يسمعون اسمي بين أسماء أفراد الخلية.سقطت الوالدة-حفظها الله-مغشيا عليها اثر اصابتها بأزمة قلبية كادت تقضي عليها. عم العويل و البكاء بين الاخوة و الأخوات .و مع البكاء و العويل غاصت الزوجة ذات الخمسة عشر سنة في حيرة و ذهول وصدمة كادت تفقد معها صوابها.
بدأ الأقارب و الأحباب يتوافدون على البيت لتسلية الأسرة المكلومة التي لم يكن لها جواب الى الدموع و رفع الشكوى الى الرحيم الحليم.
كان أمرا جديدا أن يحبس واحد من آل بن موسى و في أي قضية ؟؟؟؟ارهاب؟؟؟ و من المستهدف؟؟؟؟هشام؟؟؟ ههههه كان أخوتي يسمونني (ولد امه) لقربي منها.
أخي أحمد تكفل بالبحث عن مكان تواجدي ليطمئن على حالي و يطمئن الوالدة و الاخوة
فكان يوميا يأتي لولاية الأمن و يسأل عني لكن دون جدوى.
أحد اخوتي تم التضييق عليه و نودي من طرف الامن و قالو له بالحرف الواحد-اخوكم هشام خرج عليكم-و كان هذا لزيادة التهويل و اعدادهم ربما لتقبل أي حكم ظالم يصدر ضدي.
هذا ناهيك عن بعض المشاكل الأسرية التي لا يليق المقام لذكرها حيث استغل بعض الاصهار الموضوع للتعيير و اللعب على النفسيات.و بعض الأقارب الذين صدقوا الروايات المخابراتية و بدؤوا بسلوكياتهم يبعثون بالرسائل السلبية-سامحهم الله-.
لكن و الحمد لله لم تصلني هذه الأمور الا بعد خروجي و قد تعمد أفراد الأسرة وتواصوا بينهم على الا يصلني منها شيء و أنا بين القضبان.أثناء زيارتهم لي كنت أحس أنهم يخفون أشياءا وراء ابتساماتهم المصطنعة و قد كنت أقابلهم أيضا بابتسامة كنت أضغط على نفسي كي أرسمها على ملامحي قبل أن أصل اليهم.
و قد انكشف الأمر يوما حينما زارني توفيق في سجن -الزاكي-بسلا فاستسلمنا لعواطفنا و أجهشنا بالبكاء معا بعد أن أخبرني أن الوالدة تقول لمن جاءها زائرا مسليا -انا ابني اعتقل مظلوما.اعتقل لأنه انسان متدين ذو أخلاق حسنة و أنا راضية عليه.
ملحوظة:الوالدة-حفظها الله-لازالت تعاني من مضاعفات الأزمة القلبية لحد الساعة و علب الدواء لا تفارقها في أي لحظة.
7-الصبرمن الدروس التي يتعلمها المظلوم:
بدأنا نعتاد على جو القاعة و على الأغلال التي تصفد أيدينا و الأقمشة التي تغطي أعيننا.
دخل علينا -الفرعون- و كعادته ساءه ألا يرى على ملامحنا علامات البؤس و الخوف و الحزن فقرر القيام بحركة يمتع بها نفسيته المريضة و يعيد لنا من خلالها جو الحزن و الكآبة .أمر الحراس باعادة احكام الأصفاد و أغطية الأعين و اعادة توزيعنا على الصالة بشكل عشوائي.لكن بالنسبة لي جاءت رياح التوزيع بما لا يشتهي الفرعون فقد من الله علي برفقة طيبة كان لنصائحه الأثر الكبير علي.
-لطفي درواس- كان شاب من طلبة المدارس القرءانية و كان يحفظ ماتيسر من كتاب الله.شاب هادئ و صبور و على ثغره ترتسم ابتسامة دائمة . كان لما يلاحظ أني أعاني من البرد و أثر النوم على الأرض دون فراش كان يتوجه الي بصوت هادئ قائلا :
اصبر فأيام الظلم الى زوال و ان كنت انت تنام اليوم دون غطاء و لا فراش فالظالمين يوم القيامة غطاؤهم نار و فراشهم نار.
و كان يتلو علي قوله تعالى:(لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين).
كلامه هذا كان ينزل على صدري كالبلسم و كان لا يجعلني أصبر على وضعي آنذاك فقط بل يمدني بصبر و جلد يجعلاني مهيئا للصبر على أي ظلم أتعرض له في المستقبل خصوصا و أن ظالمي لم يكن ينقم علي الا حسن أخلاقي و تديني و علاقتي بأصدقاء و أحبة أصلحوا حالهم مع الله تعالى فغضب عليهم الظلمة.
8-من رفاق المحنة:عبد الله المنوني:
و نحن في الصالة ننتظر مصائرنا و ما يقرره في حقنا معتقلونا اذ بهم يدخلون علينا بشخصين -عبد الاله الزعافري- و المرحوم (الشهيد باذن الله)-عبدالله المنوني-.
كنا نرفع رؤوسنا لنشاهد ما يحدث من تحت أغطية الأعين و أحيانا كانوا يتركوننا دونها عند عودتنا من جلسات التحقيق لذلك كنا على اطلاع بكل ما يحدث في الصالة-تقريبا-
لما شاهدنا الحالة التي جيء بها ب-عبدالله المنوني-أصابنا الهلع ظننا أن الرجل قد اقترف جرما كبيرا ف-الباندا-تغطي كامل وجهه و الأصفاد تضغط على يديه بشكل مؤلم .
كان عبد الله شابا وسيما ذو بنية جسدية رياضية قوية طويل القامة .وجهه الحراس الى ركن من الصالة .توكأ على الحائط أطلق رجليه و بدأ يقرأ سورة -البروج- و قد بكى و أبكى من حوله.كان يتصور نفسه و كأنه واحد من أصحاب الأخدود الذين سلط عليهم سيف الظلم و القهر لا لشيء الا لأنهم قالو آمنا بالله العزيز الحميد.
كتب الله لعبد الله -رحمه الله-أن يكون رفيقا لي في أغلب مراحل المحنة التي مرت من ولاية الأمن الى المعتقل الى الزنزانة و حتى خارج الأسوار قدر الله أن يعمل ببيع الحليب و مشتقاته بجوار المحل الذي كنت أعمل به.
كل زبنائه و كل جيرانه يشهدون له بالصدق في المعاملة ودماثة الأخلاق و طيب المعشر.و قد بقي -عبد الله-مجاورا لي الى أن غادر البلد و غادر بعدها الحياة بالمرة راحلا الى الله و حاملا معه مظلمته يبثها الى من لا يظلم عنده أحد.
في الزنزانة كان عبد الله ركيزة أساسية يصبرنا و يخفف علينا حر الاعتقال .يروي حكاياته و مغامراته التي مر بها قبل استقامته و يحكي لنا قصص الأفلام الهندية التي شاهدها و كنا نمثل رفقته بعض مشاهدها بشكل ساخر للتسلية كما كان يروي لنا أشكال التعذيب التي تعرض لها أثناء التحقيق و كان يقول أن مما لا ينساه أبدا و سيحاجج من اقترفه بحقه بين يدي الله الاستقبال المهين الذي تعرض له بسجن سلا(الزاكي) حيث جرد من ملابسه تماما و اقتيد كما ولدته أمه و هو مغمض العينين حتى زنزانته أمام أعين كل المعتقلين.كان يحكي لنا هذه الواقعة ضاحكا و نحن نضحك لكن صدره كان يخفي مرارة و قهرا لا تمحوهما الأيام.
حكم على ابن حي المسيرة البار ب 5 سنوات سجنا و لم يكن جرمه الا أنه تدخل لدفع ظلم عن الأخ-حسن الخضار-الرجل المسن .لم يجرح أحدا و لم يقتل أحدا لكنه اعتقل في الوقت الخطأ حسب التصريحات المتأخرة للمحققين.
9-الصالة السيئة الذكر:
كان حالنا في تلك الصالة اللعينة لا يسر الحبيب و كأنهم جلبونا لافراغ غيظ و حقد دفينين علينا .مر علينا يومين كاملين لم نتذوق فيها أي طعام و في صبيحة اليوم الثالث -و كأنهم يسخرون بنا- قدمو لنا خبزا بائتا به بعض القطع من الدجاج الجاف تستنكف أكله حتى الكلاب ربما هو مما يخلفه الزبائن بمطاعم الدجاج وكان نصيبي -و الله يشهد على ما أقول- ثمن خبزة صغيرة محشوة بمخلفات الدجاج المحمر.اقتسم كل ثمانية موقوفين خبزة صغيرة فيما بينهم و أكلنا الوجبة على مضض كي نقيم صلبنا و نحافظ على توازن أجسادنا التي أنهكها الجوع و البرد و التعذيب.
و مما أذكره أيضا الفتى-زكرياء- ذو الأربعة عشر عاما حينها و الذي جيئ به مصفدا و مغمض العينين.بات ليلته تلك جالسا و يشكو من ضغط غطاء العينين على أذنيه.استعطف الحراس مرارا لكنه افتقد الرحمة في قلوبهم . و في الأخير انتفض و انهار باكيا و قال لهم -اقتلوني و لا تتركوني أتعذب بهذا الشكل.و مع ذلك نهره الحارس و بقي يتعذب كذلك لفترة طويلة .
كانت أياما عصيبة و كانوا في الخارج يستهدفون أي ملتزم.أي ملتحي صغيرا كان أومسنا.و من الطرائف أنه كان معنا شيخ مسن أخبرنا أنه كان آت لفاس ليأخذ لابنته عقد الازدياد من أجل زواجها لكنه لم يكن يتصور أن الرحلة من البيضاء الى فاس ستستغرق 20 يوما .فقد كانوا يوقفونه عند كل حاجز و يعتقلونه يوما أو يومين و كان لولاية الأمن بفاس نصيب الأسد من هذا التوقيف فقد مكث فيها أسبوعا كاملا ظل الشيخ في أغلبه جالسا ليلا و نهارا و مضربا عن الطعام دون أن يكلم أحدا و أو يكلمه أحد.
كان أغلب صلاتنا و نحن مصفدي الأيدي نتشهد و أيدينا الى الوراء و كان بكاؤ امامنا-التيجاني- و المعتقلين خلفه يهز أركان الصالة .كان بكاءا يحمل في نبرته مزيج من الخشوع و الاحساس بالقهر و الظلم و رفع الشكوى الى الله الذي لا يظلم عنده أحد.
يتبع بإذن الله…