المعتقل الإسلامي السابق عادل أوموسى يكتب : ذكريات… من قبر الحياة…


1ـ سجناء خنيفرة والجوع في مغرب القرن 21 قد حبا الله البلاد بفواكه وثمار مختلف ألوانها لا يمنعها عن الناس مانع… ولم أر قط من يعرف لهذه النعمة قدرها كما يعرفه من لقيت من السجناء في سجن خنيفرة… هؤلاء الذين منعت عنهم إدارة السجن أن يصل إليهم بواسطة عائلاتهم في الزيارة كل شيء تقريبا: الخضر بأنواعها وفواكه وجميع أنواع الحبوب والثمار والحلويات وما يكفيهم من زيت الزيتون البلدي، زد على هذا ألا تتجاوز قفة الزيارة ربما نحو6 كيلو … أو أكثر قليلا… والسجناء عدد منهم ذوو أحكام ثقيلة ومن مناطق بعيدة، فيكون بين الزيارة والزيارة زمان كثير… وما يؤتى إليهم من الزيارة يفنى ليستمر مسلسل الجوع …في انتظار زيارة أخرى ولو أن ميعادها بعيد، لكنها عند هؤلاء السجناء نافذة يتنفس الواحد منها عبير العالم الخارجي…ويتناسى قبره المظلم لدقائق إن استطاع أن يتناساه … إدارة السجن لا تسمح للسجين بادخار شيء من الطعام الذي جاءه من الزيارة في الثلاجات الكائنة في الأحياء… كأنهم يريدونه أن يتخلص من الطعام في أقرب وقت كي يستمر مسلسل الجوع الخانق داخل السجن… وكي ينشغل السجين ببطنه…ولا يفكر فيما هو أعلى من ذلك من حقوقه المهضومة… أما وجبات الشركة الخاصة في المؤسسة… فإنك تجد 80% تقريبا من الوجبة عبارة عن مياه والباقي طعام لا توابل فيها ولا مذاق مستساغ وربما لا نضج تام للطعام…ثم زد على ذلك الكمية: مغرفة واحدة للفرد، آخر وجبة تكون في العصر تقريبا ثم يستمر الجوع إلى الصباح… حقا، الحمد لله الذي جعل التصرف في الكون من خصائصه… ولو جعله لأمثال هؤلاء المدراء لساد الجفاف العالم الزمان كله…

2ـ سجناء خنيفرة وكنز المياه الدافئة يدخل فصل الشتاء، ويشتد البرد، وتشتد معه برودة الماء، لكن : برد خنيفرة… وما أدراك ما برد خنيفرة… لا سيما لياليها… المياه الدافئة في هذا الوقت بالسجن المحلي خنيفرة كنز… اجتماع برودة الهواء وبرودة الماء على أبدان السجناء ربما تسبب لفئة منهم في آثار سلبية على المفاصل والعظام… والإدارة تمنع تدفئة الماء…وليمت السجين بتدرج وفي صمت… إنه لا يسمح هنا بالمياه الدافئة في الأسبوع كله إلا ساعة واحدة تقريبا أو ربما تزيد بشيء… وذلك في الحمام…الحمام 2.5 متر على 2.5 متر تقريبا… جعلوا هذين المترين لأعداد لا أستبعد أن تفوق أحيانا160 سجينا، ليستعملوه في ذلك الوقت المحدود… وليمت السجناء غيظا وبردا…

3ـ سجناء خنيفرة وإنسانية المصحة المنتظر من التطبيب هو معالجة أعصاب الناس بالشعور الإنساني والتعامل الملائكي، قبل معالجة أبدانهم بالتدبير المادي … أين هذا داخل أسوار يضطر الواحد من بعض سجنائها إذا وصل دوره بعد انتظار طويل أن يعطي موظف المصحة علبتين من سجائر ماركيز من أن أجل أن يَعِده بموعد ليكشف عن بصره الذي لا يزيد بمرور الأيام إلا ضعفا؟ أين قيم الطب النبيلة، داخل أسوار يستلم فيها السجين من المصحة دواء بدون علبة ولا ورقة استعمال، فلا يدري أحيانا ما اسم الدواء ولا يتأكد ما فائدته، أهي مسكنات أم حبوب منع الحمل… ما الذي يُفهم من هذا التصرف إلا أن موظف المصحة يستفيد على ظهر السجناء أطماعا مادية دنيئة من علبة الدواء وورقة استعماله بإعمالها في التعاضدية…فبالله عليك، أهذا موظف مصحة واع بالقيم النبيلة لمهنة الطب أم هو مصاص دماء مُقَنَّع؟ أما حملات طب الأسنان التي تكون أحيانا في بعض السجون…فلا أظن من جرب سيقابلني بالتكذيب في أنه: لا فحوصات محترمة في هذه الحملات ولا تصنيف للحالات ولا تعالج معاناة ولا توصف علاجات ولا تعطى أدوية… ينْكَبُّون على أي جزء من الأسنان شكاه السجين فيقتلعونه اقتلاعا ثم يمرون إلى السجين الثاني ثم إلى الثالث وهكذا… كأنهم يعالجون الأبقار…

4ـ الحكم بعشرات السنين على نساء السجناء وأطفالهم عذاب بكل ما في الكلمة من معنى…عذاب على نفسية السجناء وعلى نسائهم وأطفالهم… عدد من السجناء هنا في خنيفرة، محكومون بمدد تصل إلى 20 سنة و30 سنة ونحو هذا، ومنهم المحكوم بالمؤبد، وهم كغيرهم، منهم ذوو نساء وأولاد… الخلوة الشرعية ممنوعة في السجون على هؤلاء وغيرهم…ضع نفسك موضعهم…أنت محكوم بثلاثين سنة أو بالمؤبد…أي أن ما بقي عمرك ستعيشه بدون زوجتك الوفية التي عليها أن تتحمل تكاليفك عشرات السنين إلى أن تموت أنت أو تموت هي… ليس لك وأنت على هذه الحال إلا أن تستمر هكذا أو تطلق زوجتك وتريحها… وفي هذه الأجواء التي يجتمع فيها الحرمان والشعور بالفراغ والضياع والغضب المكبوت، ربما إن لم يردع الإنسان وازع من الدين والمروءة، فلن يرى سبيلا لملء الفراغ العاطفي ومعالجة الحرمان المستمر إلى ما لا نهاية، إلا أن يكون من طائفة الشواذ وهي معروفة مشهورة في السجون… أيها المسؤولون… نريد قليلا من الإنسانية…القليل فقط…

5ـ سجناء خنيفرة وسياسة كتم الأنفاس لا شك أنه في كل مجال تجد صالحين وفاسدين، وما من إنسان إلا وقد اكتسب بالفطرة مدافعة الفاسدين إن أعملوا إفسادهم عليه واكتسب ذلك بالتشريع أيضا… لذلك، فإن الإنسان قد يرى أحيانا أنه يصبر على جوع وتعب، لكن لا يصبر عن كتم أنفاسه عن هواء الكرامة الذي لا يدخل إلا من نافذة التعبير… أنت سجين… والأصل أنك كغيرك من المغاربة في الحقوق إلا أن حريتك مقيدة… حينما يؤخذ حقك جهارا نهارا… فليس لك وأنت داخل الأسوار إلا أن تراسل المسؤولين ليتم النظر في أمرك… لكن … أن يرفض رئيس الحي السجني الذي أنت فيه تسلم مراسلتك بأمر عام ممن فوقه أو أن يرفض ذلك موظف الشؤون الاجتماعية أو أن يطلبوا منك كتابة مراسلتك عدة مرات بحجة أن الفطوكوبي معطلة ليتعبوك ويضعفوا عزيمتك في الكتابة…بل لو عزموا، أن يرسلوا إليك بعض جواسيسهم من السجناء كي يوقعوك في أخطاء أو يدسوا تحت فراشك دفترا فيه استهانة بمقدسات لتكون عندك نقطة ضعف تساومك بها الإدارة… وأن يهددك موظفون بأنك ستتهم بتحريض السجناء وتجريئهم على الكلام…وبأنك ستعاقب بتفتيشية تفاجئك يبعثر فيها موظفو السجن أغراضك ويسرقون أقلامك ودفاترك… وأنك ستفاجأ في صباح ما بترحيلك إلى سجن مجهول ودون علم عائلتك فتزيد بعدا عن أهلك وأطفالك…ويزيدون هم عذابا وتكاليف ببعدك… فأن تُخنق أنفاسك ويُكتم صوتك بهذه الأساليب وأنت أصلا في قبر مظلم، الموت ألف مرة أهون من هذا، بل أفضل بكثير… في أول يوم بدأت فيه سياسة التصنيف بهذا السجن…وذلك قبل أشهر، شهد حي النهضة ـ وهو من أحياء هذا السجن ـ تفتيشية لا مثيل لها…لا تذكرك إلا بمآسي العرب حين فقدوا آخر شبر من الأندلس…حيث سُلِب كل شيء من أولئك السجناء ولم يترك لهم إلا ستة أغطية للفراش وملابس وإناءان وكأس أو ما أشبه هذا، فسلبت الكتب والدفاتر والأقلام…لماذا ؟…حتى لا يكتب السجناء إلى المسؤولين أي ملاحظات على سياسة التصنيف الجديدة…وحتى يقال : قد نجح المندوب الجديد… تفتيشية تاريخية…تعرض فيها بعض السجناء لضرب متراكم …فربما أبدى سجين الاعتراض على سلب ما أعطي له بالقانون…فالجزاء تراكم الصفع والضرب عليه أمام الآخرين ليعتبروا به…لماذا؟ لأنه اعترض على حرمانه من وسادته أو ثوبه أو ما أشبه… حقا لقد صدق الله… ( قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا)

6ـ أن أكون ثعبانا… خير من أن أكون إنسانا… لعله لم يخطر على بال المرء، أن في هذه الدنيا من لا يشغله شيء في هذا العالم إلا أن يجد بضع سنتيمرات يتكئ فيها متى تعب ويقوم عنها مطمئنا متى شاء…إنها نعمة لا يعرفها إلا المجربون…صعب جدا…أن تفارق فراشا وتيرا دافئا قد ألفته… إلى بضع أغطية على الأرض الباردة…تفرشها ليلا أمام باب المرحاض أو في جانب يمر عليك الرائح والغادي…وسط ازدحام مع من هم مثلك…فتفترش الأرض ليلا وتصابر على قد ما تلقاه من الروائح والحشرات إلى أن ينير الصباح…فتغالب النوم مكرها وتجمع فراشك إلى زاوية…لإخلاء الأرضية ليمر المارة وليُنظف الأرضية صاحب النوبة…وتقضي نهارك كله بلا فراش …يبقى ظهرك عموديا النهار كله… إلا أن يتفضل عليك بعض قدماء السجناء في الغرفة بسريره لترتاح شيئا ما…وهكذا كل يوم لا تستلقي على الأرض الباردة إلا ليلا…وأنت كالمشرد نهارا لا مكان يأويك ترتاح فيه وتسكن إليه…لهذا لن ألوم أحدا لو قال: أن أكون ثعبانا خير من أن أكون إنسانا… لا مقارنة بين حرية الثعبان وراحته في غاره الدافئ وبين التشرد الذي يحسه هؤلاء…

المعتقل الإسلامي السابق عادل أوموسى

14-04-2017

ذكريات… من قبر الحياة…

شارك هاذا المقال !

لا توجد تعليقات

أضف تعليق