14-آخر جلسة تحقيق بفاس (مساء أسود):
صباح الجمعة تنفسنا الصعداء و استبشرنا قليلا لأن المحققين لا يعملون نهاية الأسبوع-السبت و الأحد-.لكن مع ذلك كان مساء هذا اليوم هو الأسوأ بالنسبة لي فقد كانت آخر جلسة تحقيق أخضع لها.قررت أن أضع حدا للمعاناة في شخصي فقط و لا تتعداني الى غيري بشكل أكون أنا السبب فيه,حاولت قدر الامكان عدم ذكر أي اسم من أسماء الأصدقاء المقربين مهما كلفني الأمر وصمدت الى آخر لحظة بفضل الله حيث أنني أخبرت الفتى -ا ك- بعد انتهاء جلسة التحقيق و طلبت منه أن يخبر أصدقائي في الخارج حتى ان تعرضوا للاعتقال يعلمون اني بريء من أذاهم.
أثناء التحقيق حاول المحققون ايجاد أي خيط يربطني بأي عمل اجرامي أو أشخاص جدد ليتم اعتقالهم لكنهم فشلوا و أصيبوا بالغيظ و توتر الأعصاب,فكان كل هذا يفرغ في العبد الضعيف ركلا و صفعا و عفسا….و في الأخير و بلهجة غاضبة أمرهم رئيسهم بأخذي الى غرفة ال-شيفون-.و الشيفون من أبشع الطرق المتبعة في التعذيب كما يظهر في الصورة أسفله.
اثناء اقتيادي لغرفة -الشيفون- حاول أحد المحققين القيام بدور الناصح الأمين معي و بدأ يكلمني بأدب لكنه سرعان ماعاد لطبيعته العدوانية بعد أن أخبرته ألا علاقة لي بأي شيء مما يتهمونني به.
أدخلوني الغرفة المرعبة كان بها كرسي طويل و حبال ملقاة على الأرض تستعمل لربط المعذبين و كان هناك بعض بقع الدم على الحائط.الغرفة ليس بها أي نوافذ و عندما يغلق الباب لا يسمع أي صوت مهما كان عاليا.
وطنت نفسي على تحمل أي تعذيب و دعوت الله أن ينجيني من بطش الظالمين فكانت الاستجابة و لله الحمد سريعة حيث توالت الاتصالات عليهم و اضطر رئيسهم الى المغادرة بشكل فوري لكن قبل ذلك أمطرني بوابل من الصفعات أحسست في احداها بطنين في أذني و كدت أفقد سمعي.لكني مع ذلك حمدت الله لأنه نجاني من الشيفون.
15-اللحظات الأخيرة بولاية الأمن بفاس:
بولاية الأمن بفاس المعاناة كانت كبيرة و الأحداث كثيرة لكني حاولت الاختصار قدر الامكان و الا لو أسهبت في ذكر التفاصيل لما خرجت من ذكر هذه -المسلخة- الا بعد زمن ليس باليسير, ففي كل ركن رواية و في كل لحظة حكاية و لكل شخص من الموقوفين شخصية خاصة و معاناة و قصة لا يسمح الفضاء الأزرق ببسطها.كما أني آليت تجاوز ذكر العديد من الوقائع و الأحداث لأن ما سيأتي أشد قتامة و سوادا.
لكن قبل ذلك لابد من ربط المكانين زمانيا و معنويا فقد كانت هناك ممهدات جعلتني أتصبر على معاناة فاس و أرتعب لمجرد التفكير في المعتقل السري بتمارة.كان الأخ الفاضل-ادريس ربيع- رغم ما كان يظهر عليه من انهاك و تعب جراء التعذيب يقترب مني و يقول لي:
-اصبر.الحمد لله انهم لم يأخذونا لتمارة حيث تقلع الأظافر و تمزق الجلود.
لم يكن المسكين يعلم أن هذا المكان مقرر في القدر الذي كتبه الله له في تلك الليلة و بعده لي صبيحة الاثنين.
مر السبت و الأحد في هدوء نسبي اللهم الا بعض الصرخات التي كانت تأتي من مكان بعيد في الولاية و التي كانت لعض السكارى و قطاع الطرق الذين يعتقلون مساءا ليطلق سراحهم صباحا فليسوا هم من يروع أمن الناس حسب المفهوم المقلوب لمن اعتقلنا.
كان المحققون أيضا يهددوننا بنقلنا الى مكان لا تشرق عليه الشمس و لا يعرف رواده الرحمة ولسان حالنا يقول ان كانت مسلختكم و ليس فيها رحمة فكيف سيكون الحال في المكان الذي تهددوننا به.
صبيحة الاثنين 23 يونيو 2003 أصبحنا صائمين و أصبحت هناك حركة غريبة في الصالة جاء أحد المحققين فأسر للحراس بأمر ثم انصرف و بعد ذلك بدؤوا ينظرون الي بنظرات مريبة.
كان من بين الحراس شرطي أبدى تعاطفا كبيرا معي طيلة أيام تواجدي لدرجة أنه كان يفتح لي الأصفاد و يقول لي اذا رأيتهم قادمون فأغلقه بنفسك.استغربت لهذه الثقة الكبيرة التي وضعها في رغم أنه بهذا كان يمكن ان يجلب لنفسه المتاعب.هذا الحارس -و الله يشهد على ما أقول-كان ينظر الي و هو يبكي.علمت أن في الأمر شيء فقمت عنده و سألته ان كانوا سيأخذونني كما أخذوا -ادريس ربيع- فقال لي لاتخف الأمر لا يخصك أنت.
بعد لحظة و بصورة مباغتة دخل علينا الصالة أربع أشخاص .واحد منهم مدني ناداني باسمي و توجه نحوي الثلاثة الآخرين منهم جنديان بسلاح رشاش.
قمت من مكاني مرتعبا و طلبت من الفتى -ا ك- حذاءه لأنه لم يكن معي الا نعلة من النوع الخفيف.سلمني حذاءه و هو يدعو لي الصبر و الفرج.
أخرجوني من الصالة و أوقفوني قبالة الحائط .كانت عيناي مغمضتان بغطاء فأضافوا آخر و أحكموه لدرجة انتنت معها شحمتا أذناي.غيروا الأصفاد الخفيفة بأصفاد أثقل منها و أحكموها جيدا.سألني صاحب البدلة المدنية عن معلوماتي الشخصية و عن العنوان الذي أقيم به ثم أمرهم بالتحرك لتبدأ رحلة جديدة من الألم و الأحزان.
17- ملحوظة مهمة قبل اغلاق صفحة ولاية الأمن بفاس:
صباح الاثنين قبل أن تأتي الأوامر بنقلي الى المعتقل السري بتمارة دخل علي أحد المحققين الى الصالة و سلمني ملفا و قال لي هذا ملفك, اقرأه بتأني ثم وقع عليه…
قرأت الملف و فعلا كان يضم كل أقوالي و التي كانت عبارة عن أحداث من قبيل حضور خطب و محاضرات لبعض المشايخ و المشاركة في مخيمات صيفية مع الأصدقاء و المداومة على صلاة الجماعة في بعض مساجد الحي …..
وقعت المحضر و الذي لم أرى فيه أي شيء يدينني لكني علمت بعد خروجي من السجن أنهم كانوا ينوون تقديمي للمحاكمة بالمحكمة الابتدائية بفاس بجنجة توزيع منشورات و اعتمدوا في ذالك على مطوية مطبوعة تتكلم عن الصلاة و حكم تاركها صادروها بعد تفتيش بيتي وكانت البراءة بين عيني.
استبشرت خيرا بعد قراءة الملف لكن سرعان ما جاءت الأوامر أن مزقوا ذاك الملف و أخفوا أثره فقد جاءنا الملف الجاهز من سراديب الارهاب بتمارة .فتحطم الأمل في الانعتاق و كانت الوجهة المظلمة بعد ذلك المعتقل -السري- الرهييييييب تمارة.
18-الطريق الىالمعتقل السري المظلم-تمارة-:
بعد تسجيل المعلومات الخاصة و احكام الأصفاد و -الباندا- أمسكني أحد الحراس من الخلف من حزام السروال و بدأ يدفعني بقوة و بسرعة مهولة للأمام لدرجة أنه أسقطني و نحن ننزل الدرج و لما وصلنا دفعني بوحشية داخل سيارة الأمن-السطافيط-.أردت أن أتلمس الكرسي لأجلس عليه لكنه نهرني و أمرني أن أجثو جالسا على ركبتاي.جلس هو على الكرسي الموجود خلفي و أحاطني بركبتيه فيما الآخرين المسلحين برشاشات جلسا في الكرسيين الجانبيين و لسوء حظي أن السائق كان هو -الفرعون- نفسه.
انطلقت بنا السيارة بسرعة جنونية و كان كل من يعترض طريق -الفرعون- يتعرض للسب و الشتم بأقدح العبارات سواء كان راجلا أو راكبا ,صغيرا أو مسنا….
في المقابل كان العبد الضعيف يعاني الأمرين داخل السيارة ,فقد كانت درجة الحرارة مفرطة ,و قد أثرت الأصفاد في يداي لدرجة أنها أحدثت جروحا غائرة بهما و لاحظ ذلك المحامي في جلسة التحقيق التفصيلي الثانية التي سيأتي ذكرها لاحقا.ولما نفذ صبري من شدة الألم توسلت للحارس الذي كان يحيطني بركبتيه أن يخفف الأصفاد قليلا فرد علي مستهزءا بقوله أنه لا يملك المفاتيح ثم هددني وقال:-اصبر حتى توصل و تشوف العذاب الحقيقي راحنا دايينك عند ش ناس ما كيعرفوش الرحمة….
الحقيقة أنهم نجحوا في زرع الرعب في قلبي ,و مع الألم و المعاناة التي كنت أعانيها في السيارة , طأطأت رأسي و توجهت الى الله بالدعاء في لحظة خشوع لم تشهدها حياتي كاملة.
ألححت على الله في الدعاء أن ينجيني الله من القوم الظالمين و كان من بين الأدعية -و الله شهيد على ما أقول-أن يأخذ الله روحي قبل أن أصل الى تلك الأيادي النجسة التي كانوا يههددون بتسليمي لها فضلت الموت على ما ينتظرني من عذاب.
لكن في الأخير لن يحدث الا ما قدره الله تعالى و ما يفعل ربك الا خيرا و الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
يتبع بإذن الله…